#التوافق_الزواجي ما بين الواقع والمأمول
الزواج ميثاق مقدس يربط ما بين شخصين، ويبنى على المودة والاحترام والتقدير المتبادل بينهم. قال تعالي في كتابه العزيز (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة الروم اية (٢١). وتعد الحياة الزوجية أحد أهم جوانب الحياة ويشكل التوافق والرضا فيها جزءا كبيرا من الرضا الكلي عن الحياة، بينما يؤثر انخفاض التوافق الزواجي بشكل سبلي على الأسرة ومن ثم المجتمع. ولقد عرف المختصون التوافق الزواجي بأنه التوافق في الاختيار المناسب للأزواج والاستعداد للحياة الزوجية والدخول فيها والحب المتبادل بين الزوجين، وتحمل مسؤوليات الحياة الزوجية والقدرة على حل مشكلاتها والاستقرار والرضا والسعادة الزوجية. ويعد التوافق الزواجي الذي يسعى فيه الزوجين إلى إشباع حاجاتهم من ذلك الزواج مؤشرا إيجابيا للوصول إلى الرضا الزواجي والذي يعد الحصيلة النهائية لهذا الزواج.
هناك العديد من العوامل التي قد تؤثر وبشكل مباشر على القصور في التوافق الزواجي ويمكن تلخيص هذه العوامل فيما يلي: الفرق العمري ما بين الأزواج، التباين في المستويات الاجتماعية والثقافية والفكرية والاقتصادية والتعليمية، بالإضافة إلى جانب مهم قد يغفل عنه الكثير ألا وهو القصور في الاستعداد لمرحلة الزواج وعدم مناقشة التوقعات الزواجية بشكل منطقي وواضح لا غموض فيه. وتعد هذه الخطوة هي الأهم واتخاذها بشكل إيجابي متوافق مع ثقافة المجتمع له دور كبير في تقليص أي خلل قد ينتج عن العوامل المختلفة المذكورة أعلاه.
إن مناقشة التوقعات الزواجية من قبل المقدمين على الزواج خطوة مهمة وحاسمة تتطلب الواقعية والمنطقية والالتزام، فالزواج عقد وكأي عقد موثوق يجب أن يكون له بنود واضحة يتم مناقشتها ما بين الطريفين والاتفاق المسبق عليها والحرص على العمل بها مستقبلا على أن يتم هذا الحوار بالألية التي تليق بثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده. ومن الموصى به أن تتم خطوة مناقشة التوقعات الزواجية في مرحلة الاستعداد للزواج أي في مرحلة الخطوبة. وتعد مرحلة الخطوبة من أهم مراحل الزواج في إطار ثقافة جماعية محافظة يكون فيها التوفيق ما بين الأزواج من مهام الأسرة في أغلب الأحيان. حيث تتيح هذه المرحلة للأزواج حدثي العهد ببعضهما البعض فرصة التعارف والتألف والتكيف والاستعداد النفسي والاتفاق على الأدوار ومناقشة التوقعات الزواجية للمرحلة المقبلة ولكن!
كيف يتعامل المقبلين على الزواج في الجيل الحاضر مع مرحلة الخطوبة وإلى أي محمل من الجدية تؤخذ هذه المرحلة الحساسة والحاسمة بالنسبة لهم!!! في كثير من الأحيان يتعامل المقبلين على الزواج مع بعضهم في هذه المرحلة بشكل غامض بعيد كل البعد عن المصداقية والشفافية والواقعية بل وقد تتجاوز ذلك لتصل الى مرحلة التصنع والتملق بهدف إبهار الطرف الآخر تماما كما يحدث بين مستخدمي برنامج التواصل الاجتماعي (سناب شات). يعرف المهتمون بهذا البرنامج من جيل الشباب أن موقع التواصل الاجتماعي (سناب شات) هو برنامج صمم في الأصل لمشاركة اللحظة مع الآخرين ولكن، وخاصة في مجتمعاتنا العربية، قد خرج هذا البرنامج عن فكرته الأساسية ليصبح قناة لتوثيق أجمل المواقف واللحظات التي تكون في غالب الأحيان إما مصطنعة او مدفوعة لإبهار الأخرين. فأصبح من النادر جدا وإن لم يكن مستحيلا أن يشارك الناس بعضهم البعض بحقائقهم ولحظاتهم العفوية والخالية من التصنع. هكذا يتعامل كثير من المقبلين على الزواج مع بعضهم البعض في مرحلة الخطوبة، حيث يحرص الطرفين على ابراز أجمل وأروع ما لديهم بدرجة مبالغ بها وإظهار الكمال وكأن كلا منهم ملاك يمشي على وجه الأرض خالي من العيوب او النقص فتكون النتيجة هي رفع سقف التوقعات فيما بينهم بشكل غير منطقي فيعتقد كلا منهم أن ما يحدث في هذه المرحلة سيبقى كما هو عليه للأبد.
عندما تغيب الشفافية في هذه المرحلة وتنعدم مشاركة الواقع والمأمول من هذا الزواج ويغفل الأزواج عن طرح التوقعات الزواجية بينهم ونقاش ما يجب وما لا يجب يكون الصدام الحقيقي في مرحلة ما بعد الزواج وبعد انتهاء المرحلة المخملية المصطنعة. وفي وجود الواقع وغياب الوعود الوهمية يدعي كلا منهم بان الطرف الاخر قد تغير عليه، بينما في الحقيقة هو لم يتغير بل عاد كلا منهم الى طبيعته بعيدا عن الفلترة الوهمية للواقع. وفي حين لا يجد الأزواج تلك الصورة التي رسمتها لهم مخيلتهم في فترة الخطوبة حقيقة على أرض الواقع في الحياة الزوجية يبدأ ظهور الخلل في هذه العلاقة حديثة النشأة، وفي حال لم يعالج الخلل بشكل سريع ومهني فأن العلاقة الزوجية ستنحدر وربما سريعا تظهر علامات الطلاق العاطفي والذي يؤدي مع مرور الأيام إلى طلاق رسمي ليتجرع مرارته أطفال هو ضحايا عدم التوافق الزواجي..
لقد شغل مفهوم التوافق الزواجي العديد من المفكرين والباحثين والمختصين في الأون الأخيرة لما له من أهمية بالغه على حياة الأزواج ووصولهم إلى حصيلة الرضا الزواجي والذي ينعكس ايجابيا علي حياة الأسرة وسلامة المجتمع بأكمله، ولكن حتى الآن لم نجد خطوة حاسمة أخذت من قبل المسؤولين لتوعية الشباب والشابات المقبلين على الزواج بمفهوم التوافق الزواجي وكيفية الوصول الى مستوى الرضا الزواجي والذي يعد مؤشرا للرضا عن الحياة بشكل عام. علية فإننا نوصي بضرورة اعتماد دورات توعوية تأهيلية إلزامية تقدم للمقبلين على الزواج قبل البدء في إجراءات الزواج الرسمية. تصمم هذه الدورات من قبل أكاديميين متخصصين في مجال الإرشاد الزواجي وتركز في محتواها على تعزيز مفهوم التواصل وفن الحوار الهادف بين الأزواج وتشدد على أهمية مناقشة التوقعات الزواجية بكل شفافية ومنطقية ومصداقية قبل الزواج بحيث يفهم كلا منها دورة والتوقعات المرجوة منه في هذه العلاقة السامية بعيدا عن الخيالات المخملية التي تتلاشى عند مواجهة الواقع…ومن المهم جدا أن يعي هذا الجيل ،والذي نشأ علي ثقافة توثيق الجمال و السعي وراء الكمال و إن كان مصطنعا، معني التوافق الزواجي وأهميته وأن تحقيق هذا التوافق لا يكون إلا بمناقشة التوقعات الزواجية و ارتباطها بالواقع لا بالخيال…وتبقي في الحياة الزوجية لحظات جميلة مبنية على واقع راقي وتستحق التوثيق…
د. عبير بنت علي محمد رشيد
مستشارة نفسية وأسرية
أستاذ مساعد بقسم تطوير الذات بعمادة السنة التحضيرية والدراسات المساندة
مساعد مدير مركز الاستشارة النفسية بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل
Twitter account
@AbeerRasheed
ختامها مسك حيث يختتم هذا العام و يبدأ العام الجديد بموضوع يعد عماد الأسرة بالمجتمعات الشرقيه و تتميز الكاتبة بسلاسة الأسلوب و الموضوعية بالتناول
فعلا يجب أن يتثقف الجيل بالكامل بخصوص مؤسسة الزواج
حيث التأسيس من المنزل لكلا الطرفين عامل أساسي
ومعرفة كيفية التعامل مع الطرف الآخر واحتوائه وتقبل فكره وثقافته
التربية الإسلامية الصحيحه و وصية أمامه بنت الحارث لابنتها في الجاهلية منذ آلاف السنين…والتعامل بحكمه وهدوء واستيعاب وتقبل الاخر
عوامل قادرة على إنشاء أسرة سليمه مترابطة
من واقع تجربة شخصية تمتد ل ثلاثين عاما الله الحمد من النجاح الأسري
ودمتم
مقالة رائعه تخدم المجتمع
الله يعطيك العافية دكتورتنا، مقال واقعي
تم التسليط على نقاط حساسة للغاية مثل فترة الخطوبة المخملية المصطنعة المتبوعة بالزواج ؛ تلك المرحلة الفعلية لخلع الأقنعة و الكف عن المزيد من المجاملات و معاملة الطرف الاخر بالطباع و السجايا الحقيقة لتظهر بعدها علامات الانسجام او النفور ، لطالما تم تشبيه الزواج بالبطيخة:حمراء لتؤكل و يستمرئ بها او بيضاء فترمى دون العلم بلونها سابقا و هكذا هو الزواج اما ان يكون الطرف الاخر سائغا طيب المعاشرة او ان يكون فظا غليظا لا يطاق ! و من هنا بالفعل تأتي أهمية توعية الشباب بماهية الزواج الحقيقية و بهذا الرباط المقدس
كل الشكر و التوفيق للدكتورة عبير على هذا المقال الهادف
فعلا كلام روعه