الكتاب

التوقعات الزواجية – ما هي مقاييسها!

كنا قد تحدثنا في مقال سابق عن الطلاق العاطفي وأسبابه وأشرنا إلى تأثيره السلبي على الاسرة والمجتمع. وأكدنا على أن القصور في مناقشة التوقعات الزواجية بوضوح وشفافية بشكل يتناسب مع ثقافة المجتمع هو أحد الأسباب الرئيسة التي قد تقود إلى الطلاق العاطفي والذي يعد الخطوة الأولى للطلاق الرسمي في حال لم يتدارك. إن تحديد التوقعات المنطقية قبل الزواج يشكل أهمية كبيرة في نجاح العلاقة الزواجية وتحقيق الرضا الزواجي فيما بعد ولكن!! ما مقاييس التوقعات الزواجية في الوقت الراهن وهل تتسم هذه المقاييس بالواقعية والمنطقية وما هي العوامل التي تؤثر عليها؟

مما لا شك فيه أن هناك عوامل مختلفة تؤثر بشكل كبير على تحديد التوقعات الزواجية من أهمها عامل الثقافة الخاصة بالمجتمع. إن ثقافة المجتمع هي موروثه الفكري والسلوكي المكتسب والتي تشكل نمط الحياة الاجتماعية وتحدد ما هو مقبول وما هو مرفوض في كل الجوانب ومن أهمها جانب الأسرة. فثقافتنا الاسرية هي التي تحدد دور الأفراد في الاسرة وما هو متوقع من كل فرد بناء على سنه وجنسه وقدراته وإمكانياته وغيرها. وكما هو معروف فأن ثقافة المجتمع متناقلة من جيل الى جيل بواسطة عملية التثقيف والتنشئة والتربية. وتتميز الثقافات بأنها قابلة للتطوير فهي ليست جامدة بل هي متطورة مع تطور المجتمع وتغيره. كما تتميز بأنها متبادلة ومتناقلة بين المجتمعات المختلفة فمن الطبيعي ان يأخذ مجتمع ما من ثقافة مجتمع آخر من خلال التواصل المباشر أو الاحتكاك وهذا ما يسمى بالتثاقف. ومن الجدير بالذكر أن التثاقف اليوم أصبح ذا نطاق واسع بين الثقافات ولا يحتاج الي قرب جغرافي او احتكاك مباشر وذلك بفضل التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت العالم اشبه بمجتمع واحد. ويبقى السؤال كيف تؤثر الثقافات الموروثة من مواقع التواصل الاجتماعي على التوقعات الزواجية وهل هي المقياس الواقعي والمنطقي لهذه التوقعات!!

انه لا يخفى على أحد تأثير مواقع التواصل الاجتماعي مثل السناب شات والانستقرام وغيرها على رفع سقف التوقعات الزواجية بين الازواج ففي مسرح الحياة ما يؤكد ما طرأ على الحياة الزوجية من تغيرات سلبية عديدة بسبب توقعات الأزواج المرتفعة والمقاسة بمقاييس غير واقعية صورتها لهم تلك المواقع ومشاهيرها. ولم يقتصر هذا التأثير في رفع التوقعات على المقبلين على الزواج او حديثي الزواج فحسب بل نال فئة المتزوجين من جميع مراحل الزواج. كما أن هذا التأثير لم يختص بالزوجات فحسب كما يعتقد الكثير بل أنه شمل حتى الأزواج في مختلف المراحل العمرية. فأصبح كل طرف يتوقع من الأخر ما يصوره له مشاهير التواصل الاجتماعي من حياة وردية على أعلى مستوى من المثالية. أما ما يجهله الكثير هو أن مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي يظهرون أجمل ما لديهم عبر حساباتهم لأسبابهم الخاصة والتي قد تكون مادية او نفسيه او غيرها ولكن في حقيقة الأمر لا يوجد حياة تكتمل كل جوانبها ولا يوجد حياة على نسق واحد من الراحة والهدوء والاستقرار والكمال وأن ما يظهره هؤلاء في هذه المواقع هو الجانب المضيء أو المفلتر من حياتهم ولا نعلم الخفي الواقعي والطبيعي منها فيعتقد بعض الأزواج ان هناك حياة زوجية وردية كاملة الجوانب ويتطلع كل طرف الى مثيلها ويتوقع من الطرف الأخر ان يكون بطلها..

اننا اليوم نقع بين قضيتين مهمتين الاولى تتمثل في رفع سقف التوقعات بشكل غير واقعي والثانية تتمثل في عدم مناقشتها مسبقا بشفافية ومصداقية، فلا هي توقعات منطقية ولا حتى متفق عليها مسبقا ليتم الاستعداد لها. وهنا تكمن المشكلة التي تتطلب تدخل سريع من المختصين في مجال الاسرة والمجتمع. إننا اليوم بأمس الحاجة إلى ذلك الثقيف الذي يساعد أفراد المجتمع على الوعي بمفهوم الزواج وأهمية سلامة أركانه وضرورة مناقشة توقعاته بكل واقعية ومصداقيه وشفافية. ويجب التنويه أننا حينما نتحدث عن واقعية التوقعات فأننا لا نعني بذلك التنازلات عن الحقوق والواجبات أو الرضا بالقليل مع إمكانية الوصل للكثير، فكما أشار بعض الباحثين في مجال التوقعات الزواجية إلى أن التوقعات المرتفعة قد تكون عقبة في طريق الرضا عن الزواج، أكد آخرون في المجال ذاته إلى أن التوقعات العالية بشرط أن تكون واقعية للزواج تؤدي إلى تحقيق أكبر للرضا الزواجي وترفع مستوى الطموح و السعادة ومن هنا نستنتج أن الفاصل في هذه المسالة هو النقاش المفتوح الذي يتسم بالواقعية و المنطقية والاتفاق المسبق على التوقعات الزواجية من قبل الطرفين و قياسها بمقاييس الواقع خارجا وبعيدا عن تلك المقاييس العالية الخيالية التي لم يصلها حتي من وضعها و صورها لنا في مواقع التواصل الاجتماعي..

___________________________

د. عبير بنت علي محمد رشيد

مستشارة نفسية وأسرية

أستاذ مساعد بقسم تطوير الذات بعمادة السنة التحضيرية والدراسات المساندة

مساعد مدير مركز الاستشارة النفسية بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل

Twitter account

@AbeerRasheed

‫9 تعليقات

  1. فعلا تأثير السوشل ميديا على المجتمع اصبح سلبي جدا خصوصا ان الجميع يظهر المثالية ويتصنع السعادة ..

    بورك قلمك الرائعة د عبير .

  2. مقال رائع دكتورة اذا سمحتي فهو معلقة تستحق ان تعلق في كل بيت دمت بخير وسعادة

  3. المقال جدا جميل ويخدم المجتمع والمقبلين على الزواج
    والحمدلله الان اصبح للمقبل على الزواج دورات تدريبه ولكن البعض
    من اقبل على الزواج وفشل وذلك لعدة أسباب لانود التطرق اليها
    ولكن اهم اسبابها هو عدم التفاهم والاحترام بين الطرفين لذلك اتمنى
    من الرجل والمراه دراسة موضوع الزواج واختيار الشخص المناسب وعدم التطرق إلى اتفهه الأمور ممايودي إلى دمار العلاقه وعدم الاستعجال باتخاذ الأمور اشكرك على طرح الموضوع وترك لنا مساحه للتعليق وأتمنى لك التوفيق والاستمرار وشكرا .

  4. جميل جدا المقال دكتوره عبير
    ‏طرح مميز وشيق
    ‏بالفعل النقاش والشفافية في التوقعات امر مهم جدا ليكون زواج ناجح و مبني على أسس قويه وبالتالي لانصل للطلاق العاطفي ومن ثم الرسمي
    ‏الله يوفقك وينفع بعلمك

  5. جميل جدا المقال دكتوره عبير
    ‏طرح مميز وشيق
    ‏بالفعل النقاش والشفافية في التوقعات امر مهم جدا ليكون زواج ناجح و مبني على أسس قويه وبالتالي لانصل للطلاق العاطفي ومن ثم الرسمي
    ‏الله يوفقك وينفع بعلمك

  6. أحسنت دكتوره عبير في اختيار الموضوع ، كما أبدعت في مناقشة الأسباب،
    بالتوفيق … وننتظر المريد من مثل هذه الموضوعات الأسرية المهمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى