مفهوم الخيرة .. بقلم : عبدالرحمن الشلوي

بقلم : عبدالرحمن الشلوي
من منَّا لم يتمنى أمراً ويشق المصاعب ويسهر الليالي في رحلة السعي لإيجاد مبتغاه وبالنهاية يصطدم بجدار الواقع القاسي وتتحطم أحلامه وأمانيه، لكن لسبب ما الكثير من ابناء مجتمعنا يُقابل هذا الفشل مهما كانت قوته ببرود قائلاً “خيرة”.
الخيرة هي التفضيل بين المُختارات، والمقصود بهذا المصطلح هو الثقة بأن الله عز وجل اختار للقائل الأفضل بين عدة احتمالات، هذا المفهوم هو نهج لحياةٍ سليمة، يتعامل مع ضغوطاتها ويواجهها بدرع الطمأنينة والسكينة لا بالتجاهل والكتم ولا بندب الحظ.
والوصول إلى عقلية “الخيرة” لا يتم بمجرد القناعة واختيارها نهجاً للحياة، ولكن القناعة هي أول خطوة في سلم الطمأنينة الطويل وتتبعه خطوات الإيمان والتسليم، ثم خوض التجارب الفاشلة المحبطة لتمرين عضلة “الخيرة” ورفض الخيار الأسهل ألا وهو التجاهل، وهو بمثابة عدم صعود هذا السلم والبقاء في الأسفل أو صعود خطوات قريبة آمنة بحيث لا يؤذيه سقوطه المحتمل ولا يخيفه العلو.
وقد يخلط البعض بين التجاهل ونهج الخيرة فيتجاهل عثرته ويقول كلمته السحرية “خيرة” ثم يكتم حسرته فتتآكل بداخله حتى تنفجر أو تعيقه عن إكمال مسيره، لكن المتبع الحقيقي لنهج الخيرة هو من سلَّم أمره قبل المسير واستفاد من تجاربه أو تجارب غيره ويحزن عندما يتعثر حُزناً فطرِياً لا يؤثر على سعيه ولا على إصراره.
أما أخطر البدائل فهو ندب الحظ والحسرة على ما فات والاستسلام المطلق، ويعد كالسقوط من السلم الى حفرةٍ لا قاع لها وخيار سهل على الرغم من عواقبه الوخيمة، ومن العجائب أن هذا البديل جاذب للناس، فنرى الروايات السوداوية والتصورات المظلمة للعالم والمستقبل تلقى رواجاً بين الكثير، ورغم أن سبب رواجها هو للتنفيس عن حزن أو خوف من المستقبل، بيد أنها لكُتَّابها واقعٌ مرير وحياة كئيبة.
ليس سلم النجاح هو الوحيد الذي يتسلقه الإنسان، وقطعاً ليس الأهم، فصعود سلم الطمأنينة واتخاذ نهج الخيرة والسعي له هو ما يضمن له عيشاً مطمئناً في دنياه وآخرته.



مقال راقٍ وعميق أستاذ عبدالرحمن
لامس واقع الكثيرين، وذكّرنا أن “الخيَرة” ليست استسلامًا بل سلامًا داخليًا نابعًا من الإيمان وحسن الظن بالله.
أسلوبك الهادئ ولغتك الثرية جعلت القراءة رحلة تأمل جميلة. جزاك الله خيرًا على هذا الطرح المُلهم