هل نطيل العام الدراسي .. أم نعيد التفكير في دور المعلّم؟ .. بقلم: محمد حمدان الذبياني

في السنوات الأخيرة، شهدت منظومة التعليم في المملكة العربية السعودية تغيرات جوهرية، من أبرزها اعتماد نظام الفصول الدراسية الثلاثة بدلاً من الفصلين، كخطوة إصلاحية تهدف إلى رفع نواتج التعلّم واستثمار الزمن الدراسي بأقصى قدر ممكن ، ورغم ما حمله هذا التحول من نوايا تطويرية، إلا أن الواقع أثبت أنه ما زال محل نقاش واسع، سواء من المعلمين الذين أثقلهم عبء العمل وتوزيع الإجازات، أو من أولياء الأمور والطلبة الذين لمسوا أثراً على الاستقرار الأسري والذهني.
وهنا يبرز تساؤل مهم: هل زيادة عدد الفصول الدراسية هي فعلاً الحل الأمثل لتحسين التعليم؟ أم أننا نحتاج إلى إعادة التفكير في جذور المشكلة، وهي جودة المخرجات، وليس طول العام الدراسي؟
في هذا السياق، بدأت بعض الأنظمة التعليمية في العالم تتجه نحو نماذج مختلفة تركز على المرونة وجودة الأداء، لا على عدد الأيام أو الفصول. في فنلندا مثلًا، أحد أنجح الأنظمة التعليمية عالميًا، يتم منح المدارس والمعلمين قدرًا كبيرًا من الحرية لتصميم الجداول وتنظيم المحتوى، حيث يُنظر إلى المعلم على أنه شريك محترف، وليس موظفًا محكومًا بزمن. وفي اليابان، يُراعى التوازن بين الحياة المهنية والشخصية للمعلمين، مع توزيع عبء العمل وفق الإنتاجية لا الحضور الشكلي. أما في بعض ولايات أمريكا وكندا، فقد بدأت تظهر عقود تعليم مرنة تعتمد على عدد الساعات، خاصة في التعليم التخصصي والمهني، تتيح للمعلمين التفرغ لما يتقنونه فعلًا، وتُقلص من الالتزام الزمني التقليدي.
في ضوء ذلك، من المشروع أن نتساءل: لماذا لا يُطرح في نقاشنا المحلي بديل عملي مثل “التعليم المرن” القائم على التعاقد بالساعات مع المعلمين، كخيار قد يكون أكثر واقعية وأقل تكلفة من توسيع العام الدراسي؟ تخفيف الضغط الزمني على الطالب والمعلم، وتعزيز التحفيز المالي والمهني، وإعطاء فرصة للكفاءات لتأخذ مكانها، كلها عناصر قد تفتح بابًا لتجربة تعليمية أكثر عدالة واتزانًا بل يمكن القول إن جودة المعلّم الواحد قد تكون أكثر أثرًا من شهر دراسي إضافي لا يحمل معه تغييرًا في المضمون أو الأسلوب.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط إعادة ترتيب فصول السنة، بل إعادة ترتيب أولويات النظام التعليمي نفسه فالمعلم يجب أن يُحفز على الإبداع لا على الدوام، ويُقاس أثره بما ينجزه داخل الحصة، لا بعدد الأيام التي يمضيها داخل المدرسة.
كما أن مرونة النظام لا تعني الفوضى، بل الانفتاح الذكي على التجارب الناجحة، واستحداث نماذج متجددة تواكب روح الزمن وتطلعات الجيل.
التعليم لا يتطور بتكثيف الجداول، بل بتحرير الطاقات ولا يرتقي بمجرد تقسيم السنة إلى فصول، بل حين تتحول العلاقة مع المعلم إلى شراكة حقيقية قائمة على الإنجاز لهذا فإن طرح نموذج التعاقد المرن ليس ترفًا فكريًا، بل خيار ينبغي أن يوضع على طاولة النقاش التربوي، ضمن مسار التطوير الشامل الذي تعيشه المملكة.
وختامًا
يجب أن نحافظ على المعلم كقيمة لا كرقم، وعلى التعليم كأثر لا كامتداد زمني.
بقلم: محمد حمدان الذبياني
صحفي سعودي ومهتم بتطوير نظم التعليم والمهارات في بيئات العمل.