الكتاب

أطفالنا والألعاب الإلكترونية

تعلق الأطفال بالألعاب نزعة فطرية كانت موجودة في جميع الأوقات وستظل؛ لأنها ميول وطبائع إنسانية لا غنى عنها للأطفال، بل إن النفس الإنسانية بطبيعتها تميل إلى اللعب والترويح في جميع الأعمار، وطالما كانت للإنسان في كل مرحلة من مراحله العمرية الألعاب التي تناسب هذه المرحلة. وكما تطورت الحياة الإنسانية في جميع المجالات، فقد شهدت هذه الألعاب أيضا التغيرات التي تتناسب مع هذا التطور وصولا إلى الألعاب الإلكترونية التي واكبت الثقافة الرقمية الحديثة والتي جعلت هذه الألعاب بلا شك أكثر متعة وتسلية وكذلك أكثر تأثيرا على الفرد والمجتمع، وقد بدأت نشأة هذه الألعاب وانتشارها النسبي في أواخر العقد السابع من القرن الماضي عندما اتجه المهندس الأمريكي (رالف باير) لاستخدام التلفاز في اللعب وساعده أصدقاؤه (هاريسون) و (روش) في صناعة أول نموذج للألعاب الإلكترونية أطلقوا عليه (الصندوق البني) وهو أول نظام ألعاب فيديو متعدد البرامج واللاعبين ثم تبنت إحدى الشركات هذا النموذج وأعادت إصداره باسمها، وقد مهد هذا العمل الطريق بعد ذلك لتطور الألعاب الإلكترونية حتى وصلت إلى ما وصلت إليه هذه الأيام. وقد شهد التوجه نحو الألعاب الإلكترونية إقبالا منقطع النظير خاصة في البدايات مع الإمكانيات البسيطة التي وفرتها أوائل الأجهزة المستخدمة في هذه الألعاب، وتضاعفت أعداد المستخدمين، واتسعت الرقعة الجغرافية لانتشار هذه الألعاب التي اقتصرت في البداية على البلدان المتقدمة لتشمل كافة بلدان العالم حتى لا تكاد قرية أو مدينة في العالم إلا ويوجد فيها من يستخدم هذه الألعاب، بل ويدمن على استخدامها خاصة مع التطور الذي شهدته الأجهزة المستخدمة فيها والمزايا التي تتيحها لمستخدميها. وانتشرت في كل مكان وعلى ألسنة الكثيرين مزايا وفوائد الألعاب الإلكترونية وأهمها أنها تزيد من الأداء المعرفي، وأن الأطفال الذين يمارسون ألعاب الفيديو يكون لديهم على الأغلب أداء فكري وكفاءة دراسية أعلى ممن لا يمارسون هذه الألعاب، وأن هذه الألعاب يستخدم الطفل خلالها أوامر دقيقة تحسن التناسق الحركي بين اليد والعين، كما أنها تحسن عملية اتخاذ القرار وتشجع على القراءة من خلال إعجاب الطفل بالحوار القائم بين الشخصيات على قراءة هذا الحوار وتقليده مما ينمي مهارات القراءة لدى هؤلاء الأطفال، إضافة إلى أن اهتمام الأطفال بالألعاب الإلكترونية يجعلهم أكثر اهتماما بالتكنولوجيا ومعرفة بعالمها الذي يلجون إليه من خلال هذه الألعاب كما تشجع على التواصل مع الآخرين من خلال العالم الافتراضي الذي تخلقه مما يأخذ بيد الكثير ممن لا يميلون إلى التواصل مع الآخرين وينزعون إلى الانطواء ويعيشون على هامش المجتمع.. يضاف إلى هذه الفوائد جميعها أيضا وظيفة هامة أخرى هي استخدام الألعاب الإلكترونية كوسيلة للتدريس وخاصة ملاءمتها للاستخدام أثناء اعتماد الإستراتيجيات الحديثة التفاعلية في التدريس مثل إستراتيجيات التعلم النشط وغيرها. ومع أهمية هذه الفوائد فإن الألعاب الإلكترونية أيضا قد تبين لها العديد من السلبيات التي لا يقل بعضها أهمية عن الفوائد المأمولة من هذه الألعاب وأهمها أن بعض هذه الألعاب يشجع على العنف، بل إن كثيرا من العنف الذي يميل بعض الأطفال إلى استخدامه إنما هو تقليد لما يرونه خلال هذه الألعاب، ومن هذه الأضرار أيضا إضاعة الوقت، حيث إن الأوقات الطويلة التي يقضيها بعض الأطفال في الألعاب الإلكترونية تكون على حساب أنشطة أخرى أكثر أهمية ومنها المسؤوليات الدراسية والأنشطة الرياضية والترفيهية، بل والأوقات التي ينبغي أن يقضيها الطفل مع العائلة مما يؤدي إلى ضعف العلاقات الاجتماعية والتواصل بين أفراد الأسرة الواحدة والمجتمع.. ليس ذلك فقط، بل إن هناك أضرارا أخرى تنبع من قلة النوم بسبب متابعة الألعاب الإلكترونية لأوقات طويلة، وزيادة الوزن نتيجة للجلوس دون حركة لأوقات طويلة، بل إن بعض الأعراض تصل إلى التأثير على القوام وتؤدي إلى ضعف قدرته على الوقوف بشكل سليم، وكذلك فإن التوتر النفسي الذي يصاحب بعض الألعاب يؤثر على الصحة البدنية إضافة إلى نقص فيتامين ( د ) لعدم تعرض اللاعبين للشمس وذلك قد يؤدي بدوره إلى أمراض العظام والمفاصل وغيرها. أما أكثر الأخطار فهو ما أثبتته الدراسات الطبية النفسية من أن البعض يصل إلى إدمان هذه الألعاب وهو إدمان بالمعنى الحقيقي وله نفس الآثار التي تسببها الأنواع الأخرى من الإدمان إن لم تكن أكثر، حيث يتساوى في درجته مع إدمان المقامرة القهرية الذي يكون الهدف فيه هو الفوز وهو نفس الهدف من ممارسة الألعاب الإلكترونية كون الذين صمموا هذه الألعاب يحرصون عند تصميمها على زيادة أعداد اللاعبين وذلك يقتضي أن يكون اللاعب في تحدٍ دائم مما يجعله يقضي أطول وقت من أجل الفوز والتحدي، ومن علامات هذا الإدمان تغيرات في السلوك والمزاج والعزلة الاجتماعية والقلق والاكتئاب وعدم الرغبة في القيام بأي نشاط آخر، أما علاج هذا الإدمان فيكون بالاعتماد على تقنيات علم النفس السلوكية والمعرفية وتعديل أنماط التفكير.. غير أن الأهم من ذلك كله الوقاية من هذا الإدمان قبل حصوله ومراقبة استخدام أبنائنا للتقنية وترشيده منذ البداية؛ ضمانا لجني الفوائد والإيجابيات ودرءا للأضرار والسلبيات وفي مقدمة ذلك تنظيم الوقت وإتاحة الفرصة للطفل لممارسة أنشطة ترفيهية ورياضية واجتماعية أخرى وتحفيزه على ذلك باستمرار

.

فهد سعدون الخالدي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى