البروفيسور الدكتور أبو صبيح ووجهة جديدة نحو فيحاء الجبيل: هكذا جعلت الرياضيات جزءا من حياة طلابي

الجبيل – ايمان الغامدي
يمثل البروفيسور محمد أبو صبيح أحد الأسماء اللامعة في مسيرة التعليم العالي بالمملكة، في مجال الرياضيات حيث امتدت رحلته الأكاديمية لأكثر من أربعة عقود في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ساهم خلالها في تخريج نخبة من القادة والمهندسين والوزراء والسفراء.
واليوم، يواصل رسالته التعليمية في كلية الفيحاء الأهلية بالجبيل، مستثمرًا خبراته الأكاديمية في إعداد جيل جديد من الكفاءات الوطنية.
في هذا الحوار، نسلّط الضوء على مسيرته الثرية، ونستعرض رؤيته حول التعليم والبحث العلمي، وتطلعاته في تجربته الجديدة مع كلية الفيحاء.
بداية دكتور، نود أن نعود معكم إلى البدايات… كيف انطلقت رحلتكم مع الرياضيات، وما أبرز المحطات التي مررتم بها خلال مسيرتكم الأكاديمية؟
كانت بدايتي مع الرياضيات نابعة من شغف حقيقي بالأرقام والمنطق، ورغبة في فهم العالم من خلال لغة الدقة. على مدى 40 عامًا في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، كان لي شرف تدريس آلاف الطلاب والإشراف على أبحاث ودراسات شكلت لبنة في مسيرة التعليم الجامعي السعودي.
بعد هذا المشوار الطويل، ماذا يعني لكم أن تُدرّس طلابًا أصبحوا اليوم وزراء وسفراء وقادة في قطاعات مختلفة؟
هذا هو أجمل حصاد المهنة. لا شيء يُسعد الأكاديمي أكثر من أن يرى ثمرة جهده تتحول إلى قادة ينهضون بوطنهم. حين ألتقي بأحد طلابي القدامى وقد أصبح في موقع مؤثر، أشعر أن رسالة التعليم لا تزال تنبض بالحياة.
ما أبرز المواقف التي لا تزال راسخة في ذاكرتكم خلال مسيرتكم في التدريس؟
هناك مواقف كثيرة، بعضها يحمل طرافة وبعضها عمقًا إنسانيًا. أكثر ما يبهجني هو لحظة “الفهم” التي تلمع في عيون الطلاب حين يدركون فكرة رياضية كانت غامضة عليهم. تلك اللحظة كانت دائمًا وقودي للاستمرار.
مادة الرياضيات غالبًا ما تُعتبر صعبة، كيف كنتم تجعلونها قريبة من طلابكم؟
السر في تبسيط المفهوم، لا في تعقيده. كنت دائمًا أؤمن أن الرياضيات ليست مجرد أرقام أو رموز جامدة، بل هي لغة لفهم الكون وتنظيم الحياة. لذلك كنت أحرص على ربط المفاهيم الرياضية بحياة الطالب اليومية، ليشعر أن ما يتعلمه ليس بعيدًا عن واقعه.
على سبيل المثال، كنت أستخدم مواقف بسيطة من حياتهم — كطريقة تقسيم الوقت، أو التخطيط للميزانية، أو حتى حساب المسافات أثناء السفر — لأوضح لهم كيف تتجلى الرياضيات في كل تفاصيل حياتنا.
وعندما يدرك الطالب أن الرياضيات تُعينه على التفكير المنطقي واتخاذ القرار، يتحول خوفه منها إلى فضول، ثم إلى حب واستمتاع.
كنت أقول لطلابي دائمًا: الرياضيات ليست لغزًا معقدًا، بل مفتاح لفهم العالم بطريقة منظمة وعادلة.
وهذا ما جعل الدروس أكثر تفاعلًا وحيوية، وحوّل قاعة الدرس إلى مساحة للتفكير لا للحفظ فقط.
شاركتم في الإشراف على العديد من رسائل الماجستير، ما الذي يلفتكم في طلاب الدراسات العليا؟
أكثر ما يثير إعجابي هو إصرار الباحثين الشباب على التميز. ومع ذلك، لا بد من غرس ثقافة البحث العلمي القائمة على الصبر والدقة، لأن البحث ليس سباقًا للنتائج بل رحلة للفهم.
بعد أربعين عامًا في جامعة الملك فهد، كيف تصفون تجربتكم الجديدة في كلية الفيحاء الأهلية بالجبيل؟
أشعر بالفخر وأنا أبدأ مرحلة جديدة في كلية الفيحاء. وجدت في الكلية بيئة تعليمية محفزة تجمع بين الطموح والاحترافية، ورؤية تسعى لبناء جيلٍ مؤهل لسوق العمل.
الجبيل مدينة صناعية كبرى تضم شركات يديرها من تتلمذوا على أيديكم… كيف تشعرون حين تلتقون بهم اليوم؟
أشعر بسعادة لا توصف. حين أرى أحد طلابي السابقين يقود منشأة صناعية أو يتبوأ منصبًا إداريًا، أقول في نفسي: “ما أجمل أن ترى غرسك يثمر في تميز ونجاح تلاميذك.”
كيف ترون مستقبل التعليم الأهلي في السعودية؟
التعليم الأهلي اليوم لم يعد بديلًا، بل شريكًا أساسيًا في تحقيق رؤية 2030. المؤسسات الأهلية قادرة على تقديم برامج نوعية تسد الفجوة بين الدراسة وسوق العمل.
كيف يمكن للرياضيات أن تسهم في تطوير الصناعات والتقنية الحديثة؟
الرياضيات هي العقل الذي يقف خلف كل آلة وكل خوارزمية. لا صناعة بلا معادلة، ولا تقنية بلا منطق رياضي. من هنا يجب أن ندرك أن الرياضيات ليست ترفًا أكاديميًا بل لغة المستقبل.
بعد هذا المشوار الطويل، ما الذي ما زال يدفعكم للعطاء؟
الشغف… التعليم بالنسبة لي رسالة لا تقف عند التقاعد. طالما أملك القدرة على أن أشرح فكرة أو أفتح أفقًا أمام طالب، فلن أتوقف.
لو طلبنا منكم تلخيص تجربتكم الأكاديمية في جملة واحدة؟
“امتنان”… امتنان لكل طالب تعلمت منه بقدر ما علمته.








