الكتاب

التربية في زمن التقنية: بين بريق الشاشات وظل الغياب .. بقلم: حسن أحمد الزهراني

لم تعد التقنية اليوم مجرد أداة مساندة في حياتنا، بل تحولت إلى شريك يومي حاضر في تفاصيلنا الكبرى والصغرى. فهي المعلّم الصامت، والمكتبة المفتوحة، والرفيق الذي لا ينام. بفضلها أصبح العالم بين يدي الطفل نقرة واحدة، والمدارس تحولت إلى شاشات، والمعرفة إلى تطبيقات عابرة للحدود.

لكن، ما بين هذا البريق المدهش، يلوح ظلٌّ ثقيل: غياب العلاقات الإنسانية الدافئة. في زمنٍ كانت فيه الزيارات العائلية تجمع القلوب على مائدة واحدة، أصبح اللقاء الافتراضي بديلاً باهتًا لا يحمل حرارة المصافحة ولا دفء العيون. وفي وقتٍ كان فيه الحوار وجهاً لوجه يربي الذوق، ويصقل الشخصية، صارت الرسائل المختصرة والإيموجيّات تحلّ محلّ الكلمات الصادقة.

التربية في زمن التقنية إذن، معركة توازن: كيف نغتنم التقنية لبناء عقلٍ واعٍ منفتح على العالم، دون أن نخسر الروح الإنسانية التي لا تُعوض؟ إنها مسؤولية مشتركة تبدأ من البيت قبل المدرسة، حيث على الوالدين أن يكونا القدوة في الاستخدام الرشيد، يوجهان أبناءهم إلى أن التقنية وسيلة لا غاية، وأن العالم الرقمي لا يلغي دفء العالم الحقيقي.

التحدي اليوم ليس في إدخال التقنية إلى حياتنا، فقد أصبحت واقعًا لا فكاك منه، بل في أن نبقى بشرًا متواصلين بالقلوب قبل الكابلات، وبالأرواح قبل الأجهزة. فالتربية الحقيقية لا تكتمل إلا حين يلتقي وعي التقنية بصدق الإنسانية، وحين يكون الطفل قادرًا على أن يكتب رسالة إلكترونية، وفي الوقت نفسه، يطرق باب قريبه مبتسمًا.

الكاتب: حسن أحمد الزهراني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى