السرقة الخفية. بقلم | جواهر العامري
بقلم | جواهر العامري
قد يكون العنوان مريبًا أو غريبًا عند من يقرأه، لكن إذا وصل القارئ إلى نهاية كلماتي سيفهم وسيفهم جدًّا، السرقة التي أقصدها في موضوعي هذا ليست السرقة المتعارف عليها عندنا، بل هي السرقة التي تسرق من أروحنا وأجسادنا كل شيء جميل، فتُحدث أثرًا ظاهرًا أو خفيًّا قد لا يعلمه سوى صاحبه وخالقه.
وهنا سأضرب بعض الأمثلة، وقيسوا عليها الكثير والكثير، وخاصة من سيفهمني أكثر، وهم أصحاب القلوب الرقيقة وأهل التفكير الحصيف العميق.
فمثلا حين يسرق منا الخذلان الكثير من صحتنا النفسية، حين نبكي ونتوجع لثقتنا التي لم تكن في محلها، حين نتذكر بين حين وآخر ويؤذينا ذلك التنهد الذي يكون وجعًا في الصدر وقهرًا في القلب، أليست هذه سرقة أفقدتنا الثقة وأصبح كتمانها راحة ظاهرة وألمًا باطنًا!!
وحين يسرق الخوف منا الأمان بسبب أحداث ومواقف لم ينسها الشخص، وفي أدنى موقف أو حدث تعود لتسير كشريط تجعله لا يسيطر على نفسه ولا على نبضات قلبه، تلك الأحداث التي نهشت من روحه الكثير وجعلته يتشبث بنفسه لعله يحمي ما بقي منها، أليست هذه سرقة سرقت راحته وأمنه وأفقدته الاستقرار!
ومن ناحية أخرى أشير إلى سارق آخر وهو المرض؛ سواءٌ منه النفسي أم الجسدي، ويمكن القول هنا: أليس المرض الجسدي سارقًا حين يصيب شخصًا مرضُ مرافق له طيلة حياته فيظل هذا السارق يصول ويجول محدثًا مصائب وأوجاعًا داخله أو خارجه، فيستيقظ وجِعًا ويعمل وجِعًا، ولا يفارقه الوجع حين يفرح وحين يحزن وحين يخاف، وقد يشتد ليقبضه وكأنه يقول لك: سآخذ من صحتك الكثير، أليس كل هذا سرقة سرقت عافيته وثبطت نشاطه، وأخمدت بعض مهاراته!
ومن باب التنويع سأضرب لكم مثلًا لسارق آخر وهو أشد مما ذكر سابقًا، إنه الغفلة حين تسرق منا متعة الرجوع إلى الله في كل كرب ووجع، حين نتألم ونغفل أن الله هو الشافي، حين نخذل ونغفل عن أن الله هو الجابر، وحين نخاف ونغفل أن الله هو الحفيظ وهو من يدبّر أمرنا، وحين نُظلم ! وكم يسرق الظلم من أرواحنا! ونغفل أن الله هو القوي المنتصر، وحين نصمت ونغفل أن الله هو المجيب القريب، وحين يتخلى عنا الجميع فنغفل أن الله هو الولي الحسيب، وحين نذنب ونغفل أن الله هو الغفور الرحيم.
بعد هذه المقدمة الموجزة أود أن أقول لكم: انتبهوا من السرقات الخفية التي تنهش من أروحكم وتبطنها ألما ووجعًا، وارجعوا إلى الله في كل وقت وحين، ولا تستسلموا حتى لو استمر هذا الوجع، فلعل هذا الوجع من مكفرات الذنوب، ولعل ما ذكرته من خذلان وخوف ومرض عدا الغفلة من مكفرات الذنوب؛ قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، وجاء في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه»، فاصبروا واحتسبوا ولا تنسوا أن الله معنا وأن الله هو الكفيل بهذه السرقات وبمحاسبة أصحابها.
لكل من يمر هنا؛ أسال الله الحي القيوم أن يمتعكم بأرواح سليمة وقلوب مجبورة.