منبر الجمعة

الشيخ ” الحركان ” الطلاق لا يقطع حبال الزواج جميعها “

الحمد لله بارئ البريات وغافر الخطيات وعالم الخفيات ، المطلع على الضمائر والنيات
أحاط بكل شيء علما ووسع كل شيء رحمة وحلما ، لا تدركه الأبصار ولا تغيره الاعصار
ولا تتوهمه الأفكار وكل شيء عنده بمقدار ، أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال وأشهد أن محمد عبده ورسوله ” صلى الله عليه وسلم ”

عباد الله اتقوا الله تعالى وأسمعوا لجميل خطابه حيث يقول سبحانه وتعالى ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) أعلموا رحمكم الله أن من أعظم نعم الله وآياته أن الزواج هو المأوى والسكن في ظله تلتقي النفوس على المودة والرحمة والحصانه والطهر وكريم العيش والستر ، في كنفه تنشأ الطفولة ويترعرع الاحداث وتتقوى أواصر التكافل ، غير أن واقع الحياة وطبيعة البشر فيهم من لا تؤثر فيه توجيهات ولا تظهر فيهم مودة ولا سكن مما قد يصبح معه التمسك برباط الزوجية
عنت ومشقة لهذا فقد رأيت أن نخصص هذه الخطبة في أحكام متفرقة
في الزواج والفراق وهي أحكام ينبغي على كل مسلم أن يلم بها ويعلمها .
أولاً : عقد الزواج : إنما إنعقد بكلمة الله وبأمره فيتعين إحترامه وبذل الجهد في حفظه والمحافظة عليه وألا يتعدى عليه ، فإن ظهر الشقاق تعين التحمل والصبر مع العلاج كل ذلك ممزوج بالتسامح والتغاضي ولينظر للمصلحة العليا في حفظ البيت والأولاد ( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) ، ولكن حينما يستمر الخلل ويظهر في الأواصر تحلل ويبدأ النشوز والاعراض وتظهر النفره وينكشف التقصير وسوء الخلق
عند ذلك يأتي قوله تعالى ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن وأهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ) فإذا أول ذلك وعظ فيه ترغيب وترهيب
فإن لم ينفع يبتدء بالهجر وهو هجر في المضجع لا عنه ليس هجراً أمام الناس أو الأولاد
وإنما في المضجع والمخدع فإن تمادت ، وهذا في الأقل من النساء هنا يستخدم شيئاً من القسوة والخشونة ، فإن إستمر الأمر وعظم الخلاف يكون التحكيم ، حكماً من أهله وحكماً من أهلها وحكم الحكمين العدلين نافذ إن أقرا الصلح أو الفراق ، ومن الأحكام التي يحسن التذكير بها المحرمات من النساء وهن على أقسام : أولاً : المحرمات على التأبيد وهن الأمهات وإن علون والبنات وإن نزلن والأخت مطلقاً وبناتها والعمة والخالة مطلقاً وبنت الأخ وإن نزلت

وكذا ما يكون بالمصاهرة وهن زوجة الأب وإن علا وأم الزوجة وإن علت وبنت الزوجة وهي الربيبة وزوجة الابن .. والقسم الثالث : المحرمات بالرضاعة وهن مثل جميع من حرمن بالنسب دون استثناء لماضي الصحيحين ” يحرم بالرضاع ما يحرم من النسب ” ومما يحرم على التأبيد الملاعنة فإذا لاعن الرجل إمرأته الملاعنة المذكورة في سورة النور حرمت عليه على التأبيد حتى لو ثبتت براءاتها والقسم الأخير : هن المحرمات تحريماً مؤقتاً تزول بزوال سببها لذلك فلست محرماً لها لأن الشرط الحرمة على التأبيد والمحرمات تحريماً مؤقتاً هن :
أولاً : أخت الزوجة وعمتها وخالتها . الثاني : المحصنة حتى تطلق وتنقضي عدتها
الثالث : المعتدة حتى تنقضي عدتها .. الرابع : من طلقتها ثلاثاً حتى تنكح زوجاً آخر وتفارقه الخامس: الزانية حتى تتوب من الزنا .. ويعلم ذلك منها يقيناً وتنقضي عدتها منه ، وأدلة ماذكرنا معلومة ، معاشر الأخوة إن عقد الزواج عقد متين أحاطه الشارع الحكيم بجملة عظيمة
من الأحكام التي تحفظه وتصونه وتضمن له الاستقرار والاستمرار ولا يفل هذا العقد الا الطلاق بل حتى الطلاق لا يقطع حبال الزواج جميعها فلا تبين المرأة من زوجها بمجرد الطلاق بل هناك العدة والطلاق لا يكون طلاقاً بائناً الا في خمس صور فاحفظوها .. الأول : أن يطلقها طلاقاً رجعياً لا تبين منه ثم يتركها حتى تنقضي عدتها فإنها تبين منه بمجرد إنقضاء العدة .. الثاني : أن يطلقها على مال تدفعه مخالعة فإذا دفعت المال بانت منه .. الثالث : أن يطلقها الحكمان عندما يريان أن الطلاق أصلح من الإبقاء على الزواج .. الرابع : أن يطلقها قبل الدخول بها ، فمن طلقت قبل الدخول بها لا عدة لها فتبين بمجرد وقوع الطلاق عليها .. الخامس : أن يثبت طلاقها بأن يطلقها ثلاثاً أو يطلقها طلقة ثالثة بعد إثنتين رجعيتين فتبين في الثالثة منه بينونة كبرى ، هذه هي الخمس صور التي يعتبر فيها الطلاق بائناً وهو يختلف عن الطلاق الرجعي الذي يحق له مراجعتها فيه ولو بدون رضاها ويكون حكمها حكم الزوجية في النفقة والسكنى وغير ذلك .. اللهم يا علام الغيوب استر على الأزواج العيوب وألف بين القلوب أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) .

أقول هذا القول واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية : أحكام متفرقة في الزواج

الحمد لله رب العالمين موجود الأشياء بلا معين خلق الإنسان من طين وجعل نسله من ماء مهين وأبرزه للوجود بعد أن كان نطفة في قرار مكين وصوره بأحسن صورة فتبارك الله أحسن الخالقين وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، الذي علم كل شيء فأحصاه ، وعم بفضله من خلقه من أطاعه وعصاه ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ومصطفاه ، اللهم فصل وسلم وبارك وأنعم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن والاه .. أما بعد فاتقوا الله عباد الله وأعلموا رحمكم الله أن من الأحكام الملحقة بهذا العقد المتين أحكام العدة : وهي الأيام التي تتربص فيها المرأة المفارقة لزوجها بأحكام خاصة فلا تتزوج فيها فهي فرصة للمراجعة وبراءة للرحم وغير ذلك
من الحكم التي تدور رحاها حول صيانة هذا العقد وحماية الأسرة والمجتمع ، وللعدة أنواع أولها: عدة المطلقة وهي كما قال تعالى ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) وهل القرء هو الحيض أم الطهر هذا مما اختلف فيه العلماء وطال فيه النزاع ولكل دليله والذي عليه الفتوى هنا أنها بمعنى الحيضة وعلى كل حال كلا القولين تكون المدة ثلاثة أشهر إلا أنها تفرق بأيام على القول بالطهر ، وعلى القول بأنه بمعنى الحيض جمهور العلماء وإن طلقت في حيضة لم تعتد بها وتحسب من الحيضة التي تليها ، والثاني : عدة المطلقة التي لا تحيض إما لكبر السن أو صغره وعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ) ، والثالث : عدة المتوفى عنها زوجها وهذه من أعظم العدد فتعتد لها المرأة سواءً قبل الدخول أو بعد الدخول أي تعتد بمجرد العقد بخلاف المطلقة ، وعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام ما لم تكن حاملاً فحتى تضع حملها ، ولعدة الوفاة أحكام تختص بها دون باقي العدد فمن ذلك أن تكون العدة في البيت الذي توفي الزوج وهي تسكنه فلا تتحول إلى غيره
الا بعذر شرعي .. وجوب الإحداد وهو إجتنابها ما يدعو إلى زواجها أو النظر إليها وحصره العلماء بخمسة أمور هي : 1) لا تتزين بلباس وتلبس ما دون ذلك مهما كان لونه .
2) لا تتزين بالأصباغ ونحوها من مكياج أو كحل . 3) تتجنب لبس الحلي بأنواعها .
4) تتجنب الطيب بأشكاله . 5) تتجنب الخضاب والحناء ونحوه في شعرها ، هذه هي الأمور الخمسة التي نص عليها الشرع الحكيم وما سواه مما إبتدعه العامة فكله باطل لا أصل له.

الرابع : من أحكام العدة وصورها عدة الحامل التي فارقها زوجها بطلاق أو وفاة فعدتها أن تضع الحمل ، قال تعالى ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضن حملهن ) والمراد بالحمل الذي تبين خلقه يعني بعد وضعه فلو وضعت مضغة فلا تنقضي بها عدتها وإنما لابد أن يتخلق ولو وضع سقطاً.
والخامس: عدة من غاب عنها زوجها وتسمى زوجة المفقود فالصحيح أنها ترفع أمرها للقاضي فينظر بعد بذل الأسباب فيضرب لها القاضي مدة هي مدة التربص والانتظار والمدة مفتوحة بحسب الزمان والمكان والأحوال وظروف القضية فإذا إنقضت هذه المدة إعتدت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام حكم بهذا الصحابة رضي الله عنهم ، فإن عاد الزوج الأول فله الخيار بين استرجاعها وبين إمضاء تزويجها من الزوج الثاني ويسترجع الصداق الذي دفعه .. عباد الله هذه جملة سريعة لأحكام متفرقة من أحكام النكاح نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا .

تعليق واحد

  1. .قال الله عز و جل { فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } أي: ينبغي لكم -أيها الأزواج- أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن، فإن في ذلك خيرًا كثيرًا. من ذلك امتثال أمر الله، وقبولُ وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة. ومنها أن إجباره نفسَه -مع عدم محبته لها- فيه مجاهدة النفس، والتخلق بالأخلاق الجميلة. وربما أن الكراهة تزول وتخلفها المحبة، كما هو الواقع في ذلك. وربما رزق منها ولدا صالحا نفع والديه في الدنيا والآخرة. وهذا كله مع الإمكان في الإمساك وعدم المحذور. فإن كان لا بد من الفراق، وليس للإمساك محل، فليس الإمساك بلازم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى