الكتابالمقالات

العالم ميشيل سيفر (رائد استكشاف العقل البشري) .. بقلم د. محمد بن مرضي

في عام 1962، خاض العالم الفرنسي ميشيل سيفر تجربة فريدة من نوعها لاستكشاف العقل البشري في العزلة التامة، حيث عاش في عزلة تامة داخل كهف تحت الأرض لمدة 63 يومًا، دون أي وسيلة لمعرفة الوقت أو التعرض للضوء الطبيعي.
وهدفت هذه التجربة إلى دراسة تأثير العزلة على الإيقاع الحيوي للإنسان والعقل، وأسفرت عن اكتشافات غيرت فهمنا للساعة البيولوجية.

وكانت تفاصيل التجربة الأولى في يوليو 1962، حيث دخل سيفر كهفًا جليديًا في جبال الألب الفرنسية الإيطالية على عمق 110 أمتار، مزودًا بمصباح، وطعام، ووسائل اتصال محدودة ومتصلاً بفريقه على السطح، وقد امتنع سيفر عن استخدام أي ساعة أو تقويم، معتمدًا فقط على إحساسه الداخلي بالوقت.

وكانت نتائج التجربة العلمية لسيفر قد تمحورت حول ثلاث نقاط مهمة أولها : اختلال الإيقاع اليومي فقط لاحظ سيفر أن دورته اليومية امتدت إلى حوالي 36 ساعة، مما يشير إلى أن الساعة البيولوجية للإنسان ليست مرتبطة تمامًا بدورة 24 ساعة.

وثاني هذه النتائج هو : تشوش الإدراك الزمني فعند عند خروجه من الكهف، اعتقد سيفر أنه قضى 34 يومًا فقط، بينما كانت المدة الفعلية 63 يومًا، مما يدل على أن العزلة تؤثر بشكل كبير على إدراك الوقت، وجاءت النتيجة الثالثة : مرتبطة بالتأثيرات النفسية فقد أفاد سيفر وسجل في مذكراته حدوث تغيرات في حالته النفسية، بما في ذلك الشعور بالوحدة والارتباك والهلاوس وتقلّب المزاج الحاد، مما يبرز أهمية التفاعل الاجتماعي في الحفاظ على الصحة النفسية.

ولم يكتفي سيفر بهذه التجربة فقد كانت هناك تجارب لاحقة، ففي عام 1972 كرر سيفر تجربته في كهف بولاية تكساس الأمريكية لمدة ستة أشهر، حيث لاحظ أن دورته اليومية امتدت إلى 48 ساعة في بعض الأحيان ومؤكداً على نتائج تجربته الأولى ، إلاّ أنه عاش باقي حياتيه يعاني من اعتلالات نفسية وجسدية ناتجة عن هذه التجربتين.

وقد ساهمت هذه التجارب في تأسيس مجال “الكرونوبايولوجيا” (علم الأحياء الزمني)، وأثرت على دراسات النوم، والرحلات الفضائية، والحياة في البيئات المعزولة، ودراسات العقل البشري.

كما أظهرت تجارب ميشيل سيفر أن الإنسان يمتلك ساعة بيولوجية داخلية تتأثر بالعوامل البيئية والاجتماعية ، وتسلط هذه الدراسات الضوء على أهمية التفاعل مع البيئة المحيطة للحفاظ على التوازن النفسي والفيسيولوجي، وتفتح آفاقًا جديدة لفهم كيفية تكّيف الإنسان والعقل البشري في ظروف العزلة التامة.

خطوة قلم :

هناك نوعان آخران من العزلة المؤثرة ولا تقل أهمية عن عزلة سيفر ونتائجه، وهي العزلة الاجتماعيّة عن المحيط الواقعي الذي يفترض أن يتربّى فيه الشخص ويتلقّى منه علومه وسائر خبراته عبر المواقف الحياتيّة .

والعزلة الإلكترونيّة التي اقتصرت على التواصل الأفقي بين فئات الجيل الرقمي نفسه ، فافتقدوا إلى القدوات الأعلى والنماذج الأرشد وتراجعت لغة التفاهم مع الجيل المخضرم.

بقلم د. محمد بن مرضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى