المثالية… رفاهية لا تصلح لعصر «الأم توك»! .. بقلم | عطية الزهراني

بقلم | عطية الزهراني
عندما تجلس في جلسةٍ اجتماعيةٍ، تسمع من هنا وهناك أحاديث متباينة، لكن أكثر ما يثير الانتباه هو حديث «المثالي» الذي يتكلم وكأنه يعيش في عالم موازٍ، لا يقترب من الواقع ولا يبتعد عنه، يضع القواعد ويُصدر الأحكام، بينما الحياة تسير في اتجاهٍ آخر.
في الواقع الاجتماعي الذي نعيشه، تغيّرت المفاهيم كثيرًا. فالشغالة – التي كانت رفاهية – أصبحت من الضروريات، حتى إنك لا تكاد تجد في البيت إلا أنت وزوجتك، بينما الأبناء يتكلون عليها حتى في تنظيف غرفهم!
والأسرة التي كانت تجتمع حول مائدة واحدة، أصبح كل فردٍ منها في عالمه الخاص: هذا في عمله، وذاك نائم، وتلك تذاكر، وأخرى تقول: «ما لي نفس».
لكن المثالي – بنظامه الأمريكي – يرى أن كل شخص يجب أن يهتم بغرفته بنفسه، وأنه لا حاجة للخدم متى ما كبر الأبناء. وآخر يعتقد أن أولاده مثاليون في كل شيء. وهناك من يقول: «نريد أن نخدم والدنا، لكنه يرفض ويصرّ أن يخدم نفسه ما دام قادرًا». ويحلل البعض أن هذا السبب بالذات هو ما يجعل الأبناء يتراجعون عن خدمة آبائهم لاحقًا.
بل إن رفض الأب أن يناوله ابنه «كأس ماء» أو «ريموت التلفاز» رغم قربه منه، هو في جوهره رسالة مبطّنة لهؤلاء الأبناء الذين يجلسون معه دقائق معدودة ثم يغادرون، وكأن وجودهم مجرّد زيارة عابرة. فماذا سيحدث حين يرتبطون بعمل أو بزواج ويبتعدون؟ قد تمر أسابيع أو شهور دون أن يروه أو يجلسوا إليه!
تتشابك الأسباب وتتعدد القراءات، ويبقى السؤال:
هل ما زالت «المثالية» صالحة في زمنٍ طغى عليه «الأم توك» ووسائل التواصل التي قلبت كل الموازين؟
الحقيقة أن المثالية – أو لنقل «النرجسية المقنّعة» – لم تعد واقعية في زمانٍ يتغيّر بسرعة، ويحتاج إلى مرونة في الفهم والتعامل، لا إلى شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع.
الله المستعان… وكفى