بقلم | ناصر الشهري
المسؤولية الاجتماعية ليست مجرد مفهوم عصري ظهر نتيجة للتطورات الاقتصادية والاجتماعية في العالم، بل هي جزء لا يتجزأ من النسيج الأخلاقي والإنساني الذي يشكّل صلب ديننا الإسلامي.
فالإسلام، منذ نشأته، رسّخ مبدأ التكافل الاجتماعي، مشددًا على أهمية مراعاة حقوق الآخرين والإحسان إليهم، سواء كانوا أفرادًا أم جماعات، وهذا المبدأ يظهر بوضوح في العديد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعو إلى البذل والعطاء والرعاية.
لقد كان ولا يزال التكافل الاجتماعي مبدأً فاعلًا في بناء المجتمع الإسلامي، حيث ساهم في تعزيز روح التعاون والتضامن، كما ارتبط هذا المفهوم بشكل وثيق بعبادات أساسية مثل الزكاة والصدقة، ليصبح العطاء والإحسان جزءًا من المسؤولية الفردية والجماعية تجاه المجتمع.
ومع مرور الزمن، بدأ مفهوم المسؤولية الاجتماعية يتخذ طابعًا أكثر مؤسسيًا في الغرب، لا سيما بعد الثورة الصناعية وما تبعها من تغيرات اقتصادية واجتماعية عميقة، ففي القرن العشرين، ازداد الاهتمام بهذا المفهوم في المجتمعات الغربية، حيث بدأت الشركات والمؤسسات الكبرى في تطوير برامج للمسؤولية الاجتماعية، تهدف إلى تحقيق توازن بين تحقيق الأرباح والمساهمة في رفاهية المجتمع، ومع حلول نهاية القرن الماضي، أصبح تطبيق المسؤولية الاجتماعية في الشركات مطلبًا أساسيًا يعكس الالتزام الأخلاقي تجاه المجتمع والبيئة.
أما في العالم العربي، فقد كانت المسؤولية الاجتماعية بمفهومها المؤسسي بطيئة في الظهور، لكنها شهدت تطورًا ملحوظًا خلال العقود الأخيرة. واليوم، أصبح تبني برامج المسؤولية الاجتماعية جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات المؤسسات الحكومية والخاصة، بهدف تعزيز التنمية المستدامة والمساهمة في رفاهية المجتمع. هذا التحول جاء نتيجة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى الاستفادة من النماذج الغربية في هذا المجال.
إن المسؤولية الاجتماعية، إذا ما طُبّقت بشكل فعّال، يمكن أن تكون رافدًا قويًا للتنمية المستدامة والمساهمة الوطنية، حيث تساهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا وتضامنًا، وتُعزّز من روح المواطنة لدى الأفراد والمؤسسات. ومن هنا، يأتي دور المؤسسات والشركات في تبني هذا المفهوم ليس كمجرد عمل خيري أو تبرع مالي، بل كجزء من استراتيجيتها العامة التي تهدف إلى تحسين جودة الحياة ودعم المجتمع.
إن العودة إلى جذور المسؤولية الاجتماعية في ديننا الإسلامي، والربط بينها وبين تطبيقاتها الحديثة، يعكس فهمًا عميقًا لدورها في التنمية والتطوير، فنحن، عندما نمارس المسؤولية الاجتماعية، لا نمارسها كقيمة مستوردة، بل كجزء من إرثنا الثقافي والديني، ومع هذا، يبقى تبني المبادئ العالمية وتطويعها بما يتناسب مع احتياجات مجتمعاتنا ضرورة، لنحقق التوازن بين الأصالة والتطور.
إن المسؤولية الاجتماعية ليست مجرد واجب أخلاقي، بل هي ضرورة تنموية ووطنية، ومن خلال تضافر جهود الأفراد والمؤسسات، يمكننا بناء مجتمع أكثر قوةً وتماسكًا، يكون فيه الجميع شركاء في التنمية والتطوير، بما يعكس القيم الراسخة في ديننا الإسلامي، ويساهم في بناء مستقبل أفضل للجميع.
واليوم يتحقق الكثير من التطوير السريع في منظومة وتشريعات المسؤولية الاجتماعية من الجهات ذات العلاقة والقطاعات المهتمة في هذا المجال عبر المساهمة في تمكين المسؤولية الاجتماعية وابتكار الحلول واصدار الأدلة واستحداث التخصصات الجامعية ودعم القطاع الخاص بما ينعكس على مستهدفات رؤية السعودية 2030 و الاعتزاز بقرار مجلس الوزراء بتسمية يوم 23 مارس من كل عام بيوم المسؤولية الاجتماعية، وتنظيم منتدى دولي عن المسؤولية الاجتماعية برعاية ملكية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-، وكل هذا يدل على اهتمام القيادة الرشيدة وإيمانها بدور المسؤولية الاجتماعية في تحقيق التنمية المستدامة وتكامل القطاعات مع بعضها البعض.
ناصر بن صالح الشهري
@Niizalshehri