النجاح..ألاَّ تصل وحدك!
بقلم | عبدالعزيز العوض
” كنتُ أراه ناجحاً..والحين لا أبداً يا عبدالعزيز! “كانت هذه عبارة أحد الشخصيات الناجحة والمعروفة في مجتمعي إليّ قبل سنتين والذي كنت جالساً بجواره أثناء حفل تكريم ما، حينما صعد رجلٌ عملتُ معه فيما مضى للمنصة الرئيسية ليتقلد شهادة شكرٍ ودرع – لا يسمنان ولا يغنيان من جوع – ليقول خطابه المنمق الممزوج بألفِ الأناة المزيّن بكلمات التخدير والأسلوب المبتذل لايهام الجمهور وخداع من يستطيع والذي بدأه – كعادته – بـ ” أنا فعلتُ ” وختمه بـ ” أنا فعلت! “.
صمتُ مترددًا قليلاً فقال مقاطعاً “ما شفتك علقت يا عبدالعزيز..ما استغربت من كلامي؟” حينها لم أعلق – متحفظاً على رأيي – بسبب مكانته وصيته المعروف وخوفاً من ردة فعله ولكن سألتُه على وجه التساؤل والتعجب “فلان ..لماذا لاتراهُ ناجحاً؟أوليس هو من حقق كذا وكذا !” تبسم ضاحكاً وقال ما من شأنه أن غيرني تماماً ، اقتبس لكم مما قاله العبارة التالية “لا تسرقك الأضواء ممن هم بجانبك، فالنجاح يا ولدي عبدالعزيز هو أن تصل بمن حولك، لا أن تصل وحدك فالقمة تتسع للجميع، اعمل بذلك وستذكرني لاحقاً!” تلك كانت احدى أعظم المبادئ التي بنيت بداخلي منذ تلك اللحظة.
تلك الكلمات ما تزال تطنُّ في أذني في كل عمل أهمُّ به وفي أي فريق عمل التحق به وفي أسلوب حياتي، لقد أشعلت فيّ شيئاً لم ولن ينطفئ أبداً! ما ألهمني به ذلك الرجل -العظيم- هو أن النجاح الحقيقي يكون في أن تسعى جاهداً في أن تكون سبباً لنجاح الآخرين في كل فرصة ممكنة لذلك، أن تخلق الفرص وتقدم المعونة وترشد الآخرين على الدرب، لا لِتَمنُنَ بما فعلت؛ بل لأن جوهرك يملي عليك ذلك. وأيضا لأن ثقافة النجاح بداخلك ذات بنية سليمة وذاتك مقتنعةٌ بأن الوصول الفعلي يكون في سمو العطاء، في نجاح المجموعة وفي المساهمة لأجل من حولك وحب الخير والإنجاز لهم حتى وإن أنكروا ذلك!
لايعني هذا أبداً أن تبخسَ حقك بل على العكس؛ إن أنجزتَ فلك الأحقية أن تفخر وتعتز بذاتك عالياً، نافس بشرف واعمل بجد واجتهد وكن ملهما ومحفزاَ، ولكن حذاري أن تصل لمكان ما أو مرحلة معينة تجد تسلقك على أكتاف الآخرين سهلاً يسيراً، لتظلم بكل عفوية وتغض طرفك عن كل معروف، فيموت ضميرك ببطء ولا ترى ما فعلهُ الآخرون لك إلا شيئاً لا يذكر ، لأنك إن وصلت لها فاعلم بأنك تبحر في وهم النجاح وفي لذة مهلكة لجمال نفسك مطفئةٍ لتوهج روحك، إن ذلك لا يمس للنجاح بصلة بل فشلٌ مغلف بقالب نجاح، وكتذكير رباني قال تعالى: ﴿ فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴾[الروم: 57].
اختم بتحية شكر واحترام لذلك المسؤول – ليقيني بأنه يقرأ الآن – والذي علمني درساً غالياً، وأجد هذا المقال فرصة مناسبة أيضاً لأقول للرائعين الذين يأخذون بأيدي الآخرين للأعلى: واصلوا يا أصدقاء، أنتم الثروة الحقيقة والذهب الذي لا يصدأ أو يبهت بريقه. وإن كانت الأضواء لم تنصفكم فهذا لأنها ليست جديرةً بكم،الفخر كله أنتم لأنكم الناجحين الباحثين عن صنع التغيير فعلاً لا الحمقى العاكفين على شق الصفوف بحثاً عن شهادةٍ ودرع يوضعان على الرفوف.!
_________
عبدالعزيز العوض
الجبيل