تأملات في الوعي بين القول والكتابة .. بقلم / عطية الزهراني

بقلم / عطية الزهراني
ما بين اللسان والقلم مسافاتٌ لا تُقاس بالكلمات، بل بالوعي والرشد.
فاللسان كثيرًا ما يعجل، يبدّد ما لا ينبغي أن يُقال، وكم من كلمةٍ نُطقت ثم ندمنا عليها، لأن القول ابن اللحظة، لا يمنح صاحبه وقتًا للمراجعة أو التروي.
أما القلم، فهو شاهدٌ متأنٍ يمنح صاحبه فرصة التأمل قبل البوح.
يكتب ثم يمسح، يختار الكلمة ويزن المعنى، ويحمل في طياته صدقًا لا يُمليه انفعال لحظة، بل وعيُ تجربةٍ وتأملُ فكر.
ولذا كانت الكلمة المكتوبة ميزان نضجٍ واتزان، تُعبّر عن وعيٍ يراجع نفسه قبل أن يُصدر حكمه أو رأيه.
الكلمة المنطوقة حصانٌ جامح، إن لم تملكه أوقعك.
ولذلك قيل: لسانك حصانك، إن صنته صانك، وإن خنته خانك.
بين اللسان والقلم مساحةُ وعيٍ ومسؤولية، فالأول يخرج من الانفعال، والثاني من التأمل، ولكلٍ أثره في الناس وفي النفس.
اللسان والقلم وجهان لذاتٍ واحدة؛ تتحدث لتعبّر عن نفسك، وتكتب لتخاطب الآخرين.
فالكتابة لقاء العقول، والحديث لقاء النفوس.
وما بينهما مسافة صدقٍ إذا أدركها الإنسان ارتقى في فكره وبيانه.
الكاتب الحقيقي لا يكتب لنفسه فحسب، بل يكتب باسم الجميع، يستعير وجدانهم، ويترجم مشاعرهم، ويهذّب الكلمة حتى تصير فكرةً تُخلّد.
أما الحديث العابر، فمهما كان بليغًا، يموت بانتهاء لحظته.
وفي النهاية، ما بين اللسان والقلم يقف الوعي شاهدًا على النية، والرشد حارسًا للكلمة.
فالحديث يزول، أما الحرف الصادق فيبقى شاهدًا على صاحبه، يخلده في ذاكرة الناس والزمن.
ويبقى السؤال:
هل عفوية اللسان أجمل من رصانة الكتابة ؟