أقلام واعدةالكتاب

تصاعد الجريمة الرقمية في العصر الحديث: بين فخ الاحتيال السيبراني وشبح التشهير الإلكتروني .. بقلم: المحامي د. عبداللطيف عبدالله الخرجي

يشهد العالم المعاصر تحولات جذرية في أنماط التفاعل الرقمي، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، مما أدى إلى ظهور تحديات قانونية وأمنية متزايدة. من بين هذه التحديات، برزت الجرائم الإلكترونية كظاهرة عالمية تشمل الاحتيال الإلكتروني، والاختراقات السيبرانية، والتشهير عبر الفضاء الرقمي. هذه الجرائم لم تعد مقتصرة على نطاق محدود، بل أصبحت تؤثر بشكل مباشر على الأفراد والمؤسسات، مما يستوجب دراسة دقيقة لآليات حدوثها وسبل الحد منها.

يعد الاحتيال الإلكتروني أحد أخطر الجرائم الرقمية التي تستهدف الأفراد والمؤسسات عبر الإنترنت، حيث يعتمد المحتالون على أساليب متطورة لاستدراج الضحايا وسرقة بياناتهم أو أموالهم. تتعدد طرق الاحتيال الإلكتروني، وتشمل رسائل التصيد الاحتيالي المصممة لتبدو وكأنها واردة من جهات موثوقة مثل البنوك أو الشركات الكبرى، بهدف خداع المستخدمين للحصول على بياناتهم المالية أو معلومات تسجيل الدخول. كما انتشرت أساليب الاحتيال عبر الإعلانات المزيفة، التي تروج لاستثمارات وهمية أو عروض مغرية، مستغلة الثقة التي يمنحها المستخدمون للمنصات الرقمية. ومن الأمثلة الواقعية على ذلك في المملكة العربية السعودية، تعرض مواطنين للاحتيال من خلال منصات استثمارية وهمية، حيث تم إغراؤهم بوعد تحقيق أرباح كبيرة قبل أن يتبين أنهم وقعوا ضحية لعمليات احتيال ممنهجة، مما استدعى تدخل الجهات المختصة واتخاذ إجراءات قانونية صارمة بحق المتورطين.

تعد الاختراقات السيبرانية تهديدًا متزايدًا لأمن المعلومات والخصوصية، حيث يعتمد المخترقون على تقنيات متقدمة لاختراق الحسابات الشخصية والأنظمة الإلكترونية، مما يمكنهم من سرقة البيانات أو تنفيذ عمليات ابتزاز رقمي. وتشمل هذه الهجمات نشر البرمجيات الخبيثة التي تستهدف الأجهزة الرقمية، بهدف التجسس على المستخدمين أو تشفير بياناتهم وطلب فدية مالية مقابل استرجاعها. لم تعد هذه الجرائم مقتصرة على الأفراد فحسب، بل امتدت إلى المؤسسات الحكومية والمالية، مما دفع الدول إلى استحداث قوانين وتشريعات صارمة لمكافحة هذه الظاهرة وتعزيز الأمن السيبراني على المستوى الوطني والدولي. في السعودية، تعرضت إحدى الجهات الحكومية لهجوم سيبراني استهدف بيانات حساسة، إلا أن سرعة استجابة الفرق المختصة في الأمن السيبراني أسهمت في احتواء التهديد والحد من الأضرار المحتملة، مما يعكس أهمية تطوير أنظمة حماية قوية وتحديث التدابير الأمنية بشكل مستمر.

يمثل التشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي قضية قانونية وأخلاقية معقدة، إذ يتم استخدام المنصات الرقمية كأداة للإضرار بسمعة الأفراد والشركات من خلال نشر معلومات كاذبة أو مضللة. تشمل هذه الظاهرة انتشار الشائعات والتشهير العلني عبر الحملات الإلكترونية التي تستهدف شخصيات معينة بقصد التأثير على مكانتهم الاجتماعية أو المهنية. كما يشكل التنمر الإلكتروني تهديدًا نفسيًا واجتماعيًا خطيرًا، حيث يتعرض الأفراد لحملات تشويه أو تهديدات تؤثر سلبًا على صحتهم النفسية والاجتماعية. في السعودية، شهدت إحدى الشخصيات العامة حملة تشهير مكثفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تضمنت نشر أخبار كاذبة ومعلومات مغلوطة، مما دفع الجهات القانونية إلى التدخل واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المتورطين، في إطار تطبيق نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية الذي يهدف إلى الحد من هذه الظواهر السلبية وحماية الأفراد من الأضرار التي قد تلحق بهم بسبب إساءة استخدام الفضاء الرقمي.

لمواجهة هذه التحديات، أصبح من الضروري تطوير استراتيجيات شاملة تشمل التوعية المجتمعية، وتعزيز الثقافة الرقمية، وتحديث القوانين والتشريعات المتعلقة بالجرائم الإلكترونية. يعد نشر الوعي حول أساليب الاحتيال الإلكتروني وأهمية تأمين الحسابات الرقمية من خلال استخدام كلمات مرور قوية وتقنيات المصادقة الثنائية من الخطوات الأساسية التي يمكن أن تقلل من مخاطر الاختراقات. كما أن الإبلاغ الفوري عن أي نشاط مشبوه عبر القنوات الرسمية يسهم في الحد من انتشار هذه الجرائم وملاحقة مرتكبيها قانونيًا. وفي هذا السياق، تبذل المملكة العربية السعودية جهودًا كبيرة لمكافحة الجرائم السيبرانية من خلال سن قوانين رادعة، مثل نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، الذي يهدف إلى حماية الأفراد والمؤسسات من المخاطر الرقمية وضمان بيئة إلكترونية آمنة.

يعد التصدي للجرائم الإلكترونية مسؤولية مشتركة بين الأفراد والجهات المختصة، حيث يتطلب الأمر تعزيز البنية التحتية للأمن السيبراني وتكثيف الجهود الرقابية والتشريعية لضمان الاستخدام الآمن للتكنولوجيا. ومع استمرار التطور التقني، تبقى الحاجة ملحة لتطوير استراتيجيات مرنة تتكيف مع التهديدات الجديدة، بما يضمن تحقيق التوازن بين الاستفادة من التكنولوجيا وحماية الحقوق الرقمية للأفراد والمجتمعات.

بقلم: المحامي د. عبداللطيف عبدالله الخرجي

أستاذ القانون في كليات الأصالة – الدمام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى