بقلم: جواهر العامري
هناك جرعة دواء مهمة جدًّا وآثارها عظيمة في الروح والجسد، تجدون أثرها في حياتكم وتجدون فيها الخير والبركة وتحقيق كل ما تتمنونه. وهذه الجرعة تبدأ حين ينزل ربنا تبارك وتعالى نزولًا يليق بجلالته وعظمته كما قال حبيبنا المصطفى محمد ﷺ: «ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فينادي، فيقول: من يدعوني فأستجيبَ له، من يسألُني فأعطيَه، من يستغفرُني فأغفرَ له».
وهنا -وبكل ثقة ويقين- أقول لمن يريد الشفاء والسعادة وكلَّ خير: قوموا وتوضؤوا، وقولوا لمنادي ربي: (لبيك ياربي). انهضوا وقاوموا النوم والكسل والتعب، ستشعرون بالاستعداد وأنتم أمام القبلة. كونوا على يقين أنه ينتظركم ويسمعكم ويعلم حاجتكم، صلوا وأنتم تشعرون بقربه فهو القريب الحبيب المجيب، الله يحينا كثيرًا وهو أحنُّ علينا من أمهاتنا وآبائنا، وأقداره خيرٌ لنا وإن لم تسرَّنا فارضَوْا بها وكونوا قريبين دومًا من الله.
كم مرت علينا من قصص لكثير من الناس تغيرت حياتهم إلى الأجمل والأفضل بسبب تلبية نداء الله في الثلث الأخير من الليل، مرة سمعت قصة لأحد الأطباء وهو الاستشاري الإماراتي حميد الشامسي، وقد روى قصة مريضة بالسرطان في المرحلة الرابعة منعوها من الحمل، وحين حدث الحمل بقدرة الله طلبوا منها إجهاضه؛ لأنها في مرحلة العلاج والسرطان في مرحلة متقدمة، فرفضت وطلبت إيقاف العلاج برغبتها ورزقها الله بطفل سليم، وبعد فترة وجدوا أن المرض اختفى ولم يبقَ له أثر، مع أنّها كانت تعاني منه وفي مرحلة متقدمة جدًّا، وعندما سألها الطبيب قالت إنها كانت تقوم الليل وتكثر من قول: «اللهم اجبرني جبرا يتعجب منه أهل السموات والأرض».
ما رأيكم الآن؟ أليس هذا جبرًا يتعجب منه أهل السماء والأرض!! سبحانك ربي ما أكرمك، وقد نشر البحث عن حالة هذه المريضة التي مازال الأطباء مستغربين كيف كانت وكيف صارت، إنه بفضل الله حبيبنا القريب المجيب.
وأيضا لن أنسى أبدًا قريبة لي كانت تتعالج حتى ترزق بالذرية وطالما حلمت وتعبت من أجل ذلك، وكل مراحل علاجها باءت بالفشل، وأيأسها كلام الأطباء بعدم قدرتها أبدا على الإنجاب واستحالته بسبب الحالة التي كانت تعاني منها، هذه المرحلة العلاجية استمرت فيها قرابة خمس عشر سنة ، وكان داخلها يقين وقوة بالله أنه القادر وأنه رب المعجزات، وكل المحاولات السابقة ما كانت إلا بلاءً وصبرًا لخير قادم بإذن الله، فكانت تكثر من قيام الليل يقينًا بأن الله هو القادر على كل شيء وأنه رب المعجزات والكرامات، وأن المستحيل الذي أخبرها به الأطباء هو عند الله هين، وأنه لا مستحيل عنده.
كانت واثقة ثقة تامة حين تستقبل نداء ربها في الثلث الخير من الليل أنه لن يخيب ظنُّها أبدًا، فهذه الجرعات اليقينية الإيمانية في أواخر الليل -والناس نيام- صنعت لها فرحة حقيقة منتظرة فرزقها لله بطفل قرة عين لها، تبارك الرحمن لا قوة إلا بالله.
ثم بعد فترة وجيزة رزقت بقرة عين أخرى وأخت لطفلها ولله الحمد والمنة من قبل ومن بعد، جبَرها الله جبرًا حين كانت تلبي نداء الله. ولا يخفى عليكم -وهي حقيقة يقينية- أن الله رب المعجزات وهو القادر على كل شيء..
وقبل فترة شاهدت إحدى اللقاءات مع وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان حين سأله أحد الحضور: “أين نجد الأمل في أكثر مكان وفي أوقات الصعوبة قد تشعر فيها بعدم وجوده؟” فأجاب هذا الأمير -يحفظه الله- بقوله: “هل تريد الإجابة الصادقة الأمنية؟ الثلث الأخير من الليل في السجود” وقد دعا الجميع إلى تجربة هذا الأمر..
تذكرت الآن قصة جميلة قرأتها في كتاب “نحن نقص عليك” للكاتب أدهم شرقاوي، ومفادُها أنّ جارية كانت لقاضي البصرة عبيد الله بن الحسن قام بالليل فلم يجدها، وحين بحث وجدها ساجدة لله وهي تقول: بحبك لي اغفر لي يا ألله، فقال لها: لا تقولي هكذا، قولي: بحبي لك اغفر لي، فقالت يا فقيه البصرة وقاضيها، حبه لي أخرجني من الشرك إلى الإسلام، وبحبه لي أيقظ عيني لأقوم له، وأنام عينيك، فقال لها: اذهبي فأنتِ حرة لوجه الله. والله يحب من يلبي نداه.
وثَمّ العديد من القصص وتجارب الآخرين في قيام الليل وفي نجاحهم، وتحقيق كل خير وصلاح وفلاح لهم بتلبيتهم النداء في الثلث الأخير من الليل…
هذه جرعة ناجحة أعراضها الجانبية مليئة بالخير والسعادة والفرح، وقتها آخر الليل وإذا أدمنتها ورأيت آثارها لن تُفرّط بها أبدًا، والتقصير فيها يصيبك بالحسرة والهم؛ لذلك ادْعوا الله أنْ يجعلكم ممن تقومون الليل، اجتهدوا في الدعاء وتعوّذوا بالله من العجز والكسل، وداوموا على هذا الدعاء: «اللهم أعينا على شكرك وحسن عبادتك»، والتعود بالممارسة فمارسوا ولا تيأسوا واستمروا ولا تقنطوا..
مع مرور الوقت في ممارسة هذه الجرعة الروحية ستشعر أن الله قريب منك جدًّا، وأن لطفه ورحمته يحيطان بك، وأن هذا شعور عظيم وجميل لن تتخلى عنه، وستخاف على نفسك أن تحسد عليه إن أخبرت به؛ لأن شعور قرب الله وحبه لك لا يضاهيه شعور، وحبيبك الله يباهي بك أمام ملائكته. “اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا منك”