أقلام واعدةالمقالات

رحيل سرمدي | بقلم : سعده الانصاري

جيل اليوم | بقلم : سعده الانصاري

كنت أظن بأنّ مرور الزمن يخفت الحنين والحزن ، وأن عجلة الأيام كفيلة بترميم وجع القلب، مرت السنين وما زال يوم رحيلك يعصف بذاكرتي حتى الآن، تظاهرت بالصمود وفي داخلي براكين حزن عميق يوشك أن ينفجر بقوة فيهوي بكل شيء ، أقول دائما: “في سبيل الأحلام يجب أن نتحلى بالصبر ونتقوى بالشجاعة “، ثم أيقنت بعد زمن بعيد بأن أكثر الناس صموداً في وجه الرحيل أكثرهم وجعا بعد الرحيل ، قبل ذلك اليوم كانت الدموع تتجمع في عينيك وتحاول جاهدا أن تكبتها، أفهمك جيداً وأعلم أنّه من الصعب على الرجل أن يبكي، ويصعب عليه أكثر إن كان ذلك البكاء أمام أهله وأحبابه، في ذلك اليوم تحديدا انتصرت دموعك على كل شيء، وكسرت تلك القاعدة الموروثة وفاضت من عينيك الجميلتين ثم تركتها تنحدر على خدك بهدوء واستسلامٍ تام، كان المشهد حزينا ومهيباً، وكانت الكلمات تختنق بداخلنا ونحن نودعك.
وضعت خطاً على ما كتبه نجيب محفوظ: “أكثر ما يوجع في الفراق أنه لا يختار من الأحبة إلا الأجمل في العين والأغلى في القلب” تُرى هل كان نجيب يقصدنا بتلك العبارة دون أن يشعر؟
تضمك أمي بقوة وهي تقول: لا تتأخر علينا، نترقب قدومك في أقرب إجازة، تعرف بأني لا أحتمل الغياب الطويل، ولا التفكير الكثير، لا تتأخر.. وتؤكد عليها مراراً
وعدتها حينها بالحضور القريب وأنت تتأمل في تقاسيمنا وكأنك تريد أن ترسم آخر صورة لنا في مخيلتك، هل كنت تظن بأن ذلك اليوم هو اليوم الأخير حقاً؟
وهل كانت أمي تشعر برحيل طويل؟
شكسبير يقول: “كل آلام الفراق تنتهي لحظة تجدد اللقاء”، ولكن ذلك اللقاء لم يحدث أبداً ، واستمرت آلام فراقك زمنا طويلا ولم تبرح، ولا زالت أمي تهذي باسمك كل يوم، لم تنساك أبدا بعد كل تلك السنين.
عاد الجميع وانتهت رحلة الدراسة ولكنك أنت الوحيد لم تعد، ومع كل حقيبة سفر كنت أرى حقيبتك ويدك وهي تلوح للوداع الأخير.

كتبته: سعده الأنصاري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنا عشر + إحدى عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى