التعليم

شاهد ..ماذا كتب ” مروان الزوري ” لمعلمه مدير #الفيحاء_الإبتدائية عن سرّ الرقم 4

قمت قبل فترة بزيارة إلى مدرسة الفيحاء الإبتدائية بالجبيل الصناعية، وتشرفت بلقاء مديرها الأستاذ الفاضل علي القحطاني الذي استعرض بشكل مختصر عمق المشاريع والبرامج التي تقوم عليها إدارته المدرسية، وحجم الأهداف والطموحات المنتظرة من مدرسة إبتدائية قلما تحمل مثيلاتها أهدافا ورؤى على المدى المتوسط والطويل.
من العجيب -في عرفنا على الأقل- أن يخبرك طلاب صغار عن رؤيتهم التي تتمثل في أن يصبحوا خلال ٤ سنوات من عمرهم في هذه المدرسة؛ الطلاب رقم ١ في تنافسية التعليم على مستوى المملكة! فشخصيا لا أذكر خلال سني عمري التي أفنيتها في الدراسة من تحدث إلينا يوما عن رؤية أو استراتيجية أو حتى خطة مستقبلية. بل وقد تملكتني الدهشة أكثر حين سمعت عن صغار يحدثوك عن مهارات حياتية وإدارية متقدمة مثل كايزن المعنية بالجودة! أو أسس التطوير الشخصي والبرمجة اللغوية العصبية! أو يعطوك درسا في القيادة والمسؤولية والتواصل والخطابة.
لقد كان لافتا وعلى غير العادة أن تدلف إلى مدرسة إبتدائية وتجدها هادئة لا ينتشر في جنباتها الضوضاء والصخب بشقاوة الصغار المعهودة، فقد بدا الطلاب هادئين متزنين بسكينة ووقار تفوق مرحلتهم العمرية. ولربما كان جليا أن نادي الإبداع والتفكير بإستخدام الألعاب التي تنمي مهارات الذكاء وحل المشاكل والإبداع لدى الطلاب قد أثرت بشكل إيجابي على سلوكياتهم إن لم يكن مستوياتهم الدراسية بطبيعة الحال.
أعجبتني عبارة قالها الأستاذ علي في حديثه المقتضب، حيث أشار إلى أن مسؤوليتهم في المدرسة لا تنتهي عند حدود أسوارها فقط، بل تبدأ منها إلى الحي بأكمله من خلال المساهمة في تحسين حياة ٨٠٠ أسرة تعيش في الحي وذلك عبر صقل مهارات أبنائهم علميا وتربويا وسلوكيا ومهاراتيا؛ ما سينعكس إيجابا على الحي وعلى مستقبلهم، على الرغم من أن مثل هذه الرؤية تكتنفها تحديات كثيرة.
وحينما استفسرت منه عن هذه التحديات أجابني بلغة شائقة: أن المتعارف لدى الجميع عن التعليم هو كيفية إيصال المناهج وما يتعلق بها، دون الإهتمام بزرع القيم الحقيقية في نفوس الطلاب وربما المعلمين آيضا، والتي تهدف إلى تعزيز وإطلاق القدرات لديهم للوصول لجودة عالية في المخرجات. ولما سألته عن هذه القيم قال: هي أربعة، ولكن لن أحدثك الآن سوى عن القيمة الأولى التي نعمل عليها حاليا وهي “الإنتماء”. حيث تعمل إدارته على تعزيز هذه القيمة قبل الإنتقال إلى القيم الثلاثة الأخرى التي تليها. فكل البرامج الصفية واللاصفية تصبو إلى تعزيز ثقافة الإنتماء للوطن والبيئة والمجتمع والمدينة والمدرسة والبيت إلخ، من خلال الكثير من الأنشطة والبرامج المتنوعة داخل وخارج المدرسة. ليس فقط لدى الطلاب ولكن أيضا للطاقم الإداري والتربوي وأولياء الأمور بشكل مدروس وبطرائق كثيرة.
خرجت من هذه المدرسة بعد اللقاء السريع الذي أجريته مع الأستاذ علي وأنا متعجب كيف لمدرسة أن تبادر وتعمل على الحصول على شهادة الآيزو العالمية لتسيير الأعمال وأتمتتها في المنظمات، هذه الشهادة التي قد تعجز عنها بعض الجهات وربما الشركات الكبرى في الحصول عليها. أو أن تطمح المدرسة للحصول على جوائز غير متصلة بالتعليم أساسا مثل “جائزة أفضل بيئة عمل” لمدرسيها وموظفيها، أيعقل أن نرى قريبا مدرسة في قائمة أفضل ١٠٠ بيئة عمل في المملكة؟! نتمنى ذلك. ولكن الذي لم أتعجب منه حقيقة -كنتيجة لهذه الرؤى الرائعة- أن تفوز هذه المدرسة قبل فترة بالمركز الأول في التميز التربوي على مستوى مدارس المملكة كافة، فكيف لمدرسة تحمل هذه الحماسة أن لا تصل لمثل المرحلة من النجاح والتميز!
شخصيا، لقد تشرفت قبل ١٥ عاما بالجلوس كطالب على مقاعد الدراسة أمام الأستاذ علي في حصص الحاسب الآلي التي كان يقدمها بحب وشغف كبيرين، وأذكر عنه ذات مرة أنه قص علينا حكايته مع الدراسة والتعليم إذ قال: حين كنت طالبا كنت آخذ كتبي لأستذكرها بصحبة ساعة منبهة صغيرة وإبريق للشاي، وأخرج إلى أحد متنزهات عسير لأخلو للدراسة، وكلما استعصى علي درس ارتشفت قليلا من الشاي والتفت للساعة لأشرح الدرس لها، وكنت أقول للساعة بعد كل شرح: لا تجي الساعة ٤ إلا وقد فهمتي الدرس! فإن أتت الساعة الرابعة أيقنت واطمأننت أنها استوعبته.
رغم عدم فهمي حينها لمقتضيات قصة الأستاذ علي، إلا أنها الآن تبدت لي بعد لقائي به، فخلوته تلك كانت رحلة لهدف، وشرحه للساعة كان مسؤولية ورسالة وعطاء، أما الساعة الرابعة فهو النجاح والسعادة والرضا، ورؤية الآمال تتحقق، ولربما تكون الساعة الرابعة بالذات هي السر خلف رقم ٤ في رؤاه الإدارية التربوية أعلاه. وما متنزهات عسير البديعة تلك سوى فضاءات التعليم التي ما زال يتجول ويبدع فيها الأستاذ علي أطال الله عمره على الخير وحقق رجاءه.
مروان بن محمد الزوري
الجبيل الصناعية 
d91a5b52-d52d-483b-b869-36fb653f4e02

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى