شهادة المرأة بين الفقه الإسلامي والنظام القضائي السعودي .. قراءة مع المحامي د· عبداللطيف الخرجي

في قضايا الإثبات كثيراً ما يثار الحديث عن موقع شهادة المرأة ومدى حجيتها في المحاكم، خصوصاً في ظل ما استقر عليه الفقه الإسلامي من قواعد وما يطبَّق منها عملياً في الأنظمة القضائية الحديثة· يقول المحامي د· عبداللطيف عبدالله الخرجي، أستاذ جامعي والشريك المؤسس لمكتب أسيسيور للمحاماة، إن الشهادات في الفقه الإسلامي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع رئيسية؛ أولها ما يشترط فيه أربعة شهود من الرجال دون النساء، وهو حد الزنا، لقوله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ)· وقد نص الفقهاء على أن شهادة النساء لا تقبل فيه مطلقاً، إلا قولاً شاذاً لا يعول عليه·
أما النوع الثاني فهو ما يقبل فيه شاهدان من الرجال فقط دون النساء، وهو ما سوى الزنا من الحدود والقصاص، كالسرقة والحرابة وشرب الخمر، وهذا باتفاق جمهور الأئمة· أما النوع الثالث فهو ما يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين، وقد قصره جمهور العلماء على القضايا المالية وما كان في معناها، كالبيع والضمان والحقوق المالية، بينما أجاز الحنفية ومن وافقهم قبول شهادة المرأة مع الرجل في مسائل النكاح والطلاق والعتاق والوصاية، وهو القول الذي اختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، باعتبار أن العلة ليست محصورة بالمال وإنما ليتقوى تذكير المرأة بأخرى·
ويضيف د· الخرجي أن هناك حالات خاصة لا يطلع عليها إلا النساء غالباً، فتقبل شهادتهن فيها منفردات، كالولادة والاستهلال والرضاع وبعض العيوب الباطنة وانقضاء العدة· وقد أجمع الفقهاء على ذلك في الجملة، وإن اختلفوا في بعض المسائل كتفصيلات الرضاع أو الاستهلال· ويؤكد ابن قدامة أن قبول شهادة النساء منفردات في مثل هذه القضايا أمر لا خلاف فيه في الجملة بين أهل العلم·
وعند الانتقال إلى التطبيق في المملكة العربية السعودية، يوضح د· الخرجي أن القضاء السعودي يستند في قواعد الإثبات إلى ما استقر عليه جمهور الفقهاء، وأن شهادة المرأة مقبولة في القضايا التي تختص بها النساء ولا يطلع عليها الرجال، كما أنها مقبولة بالاشتراك مع شهادة أخرى في القضايا المالية، غير أنها لا تقبل في مسائل الحدود والقصاص· أما في عقود الزواج تحديداً، فلا تقبل شهادة المرأة منفرده، إذ يشترط حضور شاهدين عدلين من الرجال، وهو ما استقر عليه القضاء الشرعي والعمل القضائي في المحاكم·
ويشير إلى أن القاعدة المعمول بها في المحاكم السعودية تقوم على التمسك بالأحكام الفقهية المتفق عليها، مع ترك ما فيه خلاف فقهي واسع لتقدير القاضي وفق ما يراه راجحاً، وذلك في ضوء الشريعة الإسلامية التي تعد المرجعية الأولى للنظام القضائي في المملكة· كما يلفت إلى أن الإصلاحات القضائية الأخيرة التي جاءت مع نظام الأحوال الشخصية تهدف إلى تنظيم مسائل الأحوال الفردية كالزواج والطلاق والنفقة والولاية، لكنها لم تنص على تعديل جوهري في قواعد شهادة المرأة، بل أبقت الأمر مرتبطاً بالأحكام الشرعية التي استقرت عليها المحاكم·
ويخلص د· عبداللطيف عبدالله الخرجي إلى أن شهادة المرأة في النظام السعودي قائمة على التوازن بين النصوص الشرعية ومقتضيات العدالة، فهي مقبولة في الأحوال التي تختص بها النساء، ومقبولة مع غيرها في القضايا المالية، بينما تظل غير مقبولة في الحدود والقصاص، التزاماً بأقوال أكثر أهل العلم، الأمر الذي يجعل النظام السعودي منسجماً مع الأصول الشرعية ومراعياً لخصوصية الأحوال التي تكون فيها شهادة المرأة هي الوسيلة الأقرب إلى إثبات الحقائق·
بقلم المحامي د· عبداللطيف الخرجي