كلية الفيحاء الأهلية

غسان السراقبي: رأيت مدينةً تنمو .. وجيلاً يتغير بالجبيل

درس آباء وبناء جلسوا على نفس المقاعد

حوار – ايمان الغامدي

في مسيرة تمتد لأكثر من أربعين عامًا، لم يكن الأستاذ غسان السراقبي مجرد محاضرا للغة الإنجليزية، بل كان شاهدًا على قصة نهضة تعليمية وصناعية فريدة عاشتها مدينة الجبيل.

بدأ مشواره في أوائل الثمانينات في معهد تنمية القوى البشرية التابع للهيئة الملكية، وهو الصرح الذي تحوّل لاحقًا إلى كلية الجبيل الصناعية، حيث شارك في إعداد أجيال من الشباب الذين أصبحوا اليوم قادة في شركات سابك والقطاع الصناعي.

ومع انتهاء خدمته الرسمية، لم يتوقف عطاؤه، إذ التحق بـ كلية الفيحاء الأهلية بالجبيل، مساهمًا بخبرته الطويلة في دعم كيان تعليمي ناشئ بروح المعلم المخضرم.

في هذا الحوار، يفتح لنا الأستاذ غسان السراقبي صفحات من الذاكرة، يستعيد فيها محطات من التعليم والعمل والعطاء الإنساني الذي امتد عبر الأجيال.

نود أن نبدأ من البداية… كيف كانت انطلاقتكم في تدريس اللغة الإنجليزية بمدينة الجبيل قبل نحو 40 عامًا؟

عندما أتيت إلى الجبيل مطلع الثمانينات، كانت المدينة أشبه بورشة بناء كبيرة. الهيئة الملكية كانت تخطط وتبني، والمصانع في بداياتها، والتعليم كان في طور التأسيس بدأت عملي في معهد تنمية القوى البشرية، وكنا ندرّس اللغة الإنجليزية بأساليب تقليدية جدًا: السبورة، الطباشير، والكتب الورقية فقط. ومع ذلك، كان الحماس لا يوصف سواء من الطلاب أو المدرسين.

كنا نعمل بروح الفريق، وهدفنا المشترك كان إعداد كوادر وطنية قادرة على قيادة الصناعة الجديدة في المملكة. لم نكن نعلم وقتها أننا نشارك في تأسيس مستقبل مدينة بأكملها.

كيف تصفون مرحلة تحول المعهد إلى كلية الجبيل الصناعية؟

كانت نقلة نوعية بكل المقاييس. بدأت الرؤية تتسع، والبرامج الأكاديمية تتطور، وتم استقطاب نخبة من المدرسين من مختلف الجنسيات وكنت أشعر أنني لا أدرّس فقط اللغة الإنجليزية، بل أساهم في بناء فكر صناعي متكامل. أصبح التعليم أكثر ارتباطًا بالمصانع والشركات، وبدأنا نرى نتائج الجهد على أرض الواقع، عندما يتخرج طلابنا ويعملون في سابك أو الشركات التابعة للهيئة الملكية.

درّستم عبر السنين العديد من منسوبي سابك والقطاع الصناعي. كيف كانت تلك التجربة؟

بصراحة، كانت تجربة غنية جدًا. لم يكن هؤلاء الطلاب مجرد متدربين، بل كانوا رجال صناعة في طور التكوين كنت أرى في أعينهم الطموح والمسؤولية، لأنهم يعلمون أن ما يتعلمونه اليوم سيترجم غدًا إلى عمل داخل مصانع كبرى تمثل قلب الاقتصاد الوطني.

وبعد سنوات، عندما أزور المصانع أو أحضر فعالية في الجبيل، ألتقي بالكثير منهم وقد أصبحوا مديرين ومهندسين ومسؤولين كبار، فيبتسمون ويقولون: “أستاذ غسان، ما زلنا نذكر دروسك الأولى في اللغة”.تلك اللحظة تختصر كل معنى النجاح في مهنة التعليم.

سمعنا أنكم درّستم الآباء ثم أبناءهم لاحقًا… كيف تصفون هذا الشعور؟

شعور لا يوصف. تخيّل أن ترى ابن أحد طلابك يجلس في القاعة نفسها، على المقعد نفسه تقريبًا، ويسمع نفس النصائح التي كنت تقولها لوالده قبل ثلاثين عامًا.

عندها تدرك أن التعليم ليس مهنة مؤقتة، بل أثر ممتد عبر الزمن.

أتذكر أحد المواقف عندما قال لي أحد الطلاب: “أبي كان يحكي لنا دائمًا عنك، وكان يقول إنك جعلته يحب اللغة الإنجليزية”، فقلت له مازحًا: “إذًا لن أقبل منك درجة أقل من أبيك!”. وضحكنا جميعًا. تلك اللحظات تبقى في القلب.

بعد انتهاء خدمتكم في كلية الجبيل الصناعية، انضممتم إلى كلية الفيحاء الأهلية. ما الذي جذبكم لهذه التجربة الجديدة؟

بعد التقاعد، شعرت أني لم أُكمل رسالتي بعد. وعندما سمعت عن كلية الفيحاء الأهلية، وجدت فيها شيئًا من روح البداية التي عرفتها قبل 40 عامًا.

هي كلية شابة بطموحات كبيرة، تجمع بين التعليم الأكاديمي والاهتمام بالمهارات العملية، وهذا ما شدّني. أردت أن أضع خبرتي في خدمة جيل جديد من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس.

كما أن الفيحاء تمتلك رؤية واضحة لتكون صلة بين التعليم وسوق العمل، وهذا بالضبط ما كنت أؤمن به طوال مسيرتي.

ما القيم التي حرصتم على غرسها في طلابكم؟

أهم قيمة كنت أؤمن بها هي الصدق في التعلم. أن يتعلم الطالب بضمير، لا لمجرد الدرجات، بل ليصنع من نفسه شيئًا.كنت أقول لهم دائمًا: “اللغة ليست كتابًا، بل نافذة على العالم” وأؤمن أن المعلم لا يُقاس بما يدرّسه، بل بما يُلهمه في طلابه.

ما نصيحتكم للجيل الجديد من المعلمين؟

التعليم اليوم مختلف عن الماضي، لكن الجوهر واحد: حب المهنة أنصحهم أن يكونوا صبورين، متفهمين لاختلاف الأجيال، وأن يجعلوا التقنية وسيلة لا غاية. المعلم الحقيقي هو من يزرع الشغف في طلابه، لا من يلقّنهم الدروس فقط.

وماذا تقول لطلاب اليوم الذين يرون أن تعلم اللغة الإنجليزية صعب أو غير ضروري؟

أقول لهم: أنتم محظوظون. اليوم كل شيء متاح – تطبيقات، أفلام، محتوى عالمي – لم يكن لدينا شيء من هذا قبل عقود وتعلم اللغة ليس صعبًا إذا أحببتها واستخدمتها في حياتك اليومية واللغه الإنجليزية اليوم ليست ترفًا، بل ضرورة لأي شاب يريد أن يواكب العالم.

بعد أكثر من أربعة عقود من التعليم… كيف تنظرون إلى هذه الرحلة؟

أراها رحلة حياة بكل تفاصيلها. فيها تعب وسهر وجهد، لكن فيها فرح عميق لا يفهمه إلا من علّم والتعليم علّمني التواضع، والصبر، والإيمان بأن الكلمة الطيبة قد تغيّر حياة إنسان واليوم، وأنا أعمل في كلية الفيحاء، أشعر أني ما زلت أبدأ من جديد، بروح المعلم الذي يؤمن أن كل جيل فرصة جديدة للأمل.

وفي مسيرة هذه الرحلة لابد من التوجه بالشكر الجزيل للمملكة العربية السعودية قياده وشعبا اليت احتوتنا ونهلنا من خيراتها واكرمتنا وعشنا فيها طوال هذه السنوات كأننا من ابناء البلد ولم نشعر بأننا غرباء فشكرا لكم جميعا وندعو الله سبحانه وتعالى أن يديم الامن والامان على هذه البلاد الطاهرة والعزة والكرامة لقيادتها وشعبها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى