غول المادية
بقلم | احمد الشمري
الإنسان يسعى حتى يفنى، لا تكفيه الأيام لإشباع رغباته،
إذا لم يتزن في مطالبه ويكبح من رغباته وحاجاته الساذجة والهائجة، فسوف ينتهي به المآل إلى اللهث المستمر.
الرغبة المادية أحد أهم هذه الرغبات الملحة. فالرغبة المادية المنفلته تضطر الانسان أحياناً على التعدي وسفك حقوق الأخرين كما تجبره على وأد الضمير الحي داخله وتجاوز كل ماهو إنساني وأخلاقي في سبيل إشباعها، ورغم كل هذا التجاوز والحمق الذي يرتكبه الإنسان لأجلها إلا أنها تبقى شغوفه بالمزيد وتطالب بالمديد، وترغم صاحبها الذي وقع تحت أسرها بالكد أكثر لتلبية رغباتها التي لا تنتهي، مما يبقي الإنسان في حالة سعي دائم وقلق أبدي.
تتعقد الحالة أكثر وتتجذر إذا ما اشتبكت الرغبة مع الفكرة وتعانقا جميعًا وأصبحا يؤيّدان بعضهما البعض، فعندما تجد الرغبة ما يبررها عند الإنسان، وتعثر داخله على ما تستند اليه من افكار وتصورات مغلوطه محفورة في ذهن الإنسان ويعتقد بكامل صحتها، مما يساعدها على الثبات والبقاء أطول.
تتسلل هذه الرغبة غير المنضبطة إلى الإنسان وتستشري داخله إذا ما وجدته مقتنع بأن المادة هي الأداة الوحيدة للعلو والصعود والتموضع في مكان شاهق داخل المجتمع، وبدونها يبقى الإنسان مُحتقرًا، مطأطأ القدر، عاري المجد، فاقد للقيمة. و أنها هي الوسيلة الوحيدة لجلب الناس من حوله وإبقاءهم منثورين بجواره يستجدون قربه ووده. فيضطر الإنسان لتحقيق هذه الأمجاد الزائفة إلى اللهث وراء الكسب دون رادع أخلاقي أو قيد قيمي.
الرغبة المادية الشرهه تتحول الى شر وأذى على الإنسان إذا استفحلت عنده وأصبحت هي المنظور الوحيد الذي يرى من خلالها الحياة، والميزان الوحيد الذي يقيس بها حجم الأشياء. الرغبة المادية تصبح عدوّ للإنسان إذا تركت دون تهذيب وتشذيب وترك لها الزمام لتنمو وتكبر داخله حتى تصبح ذات قوة قاهرة وزاجرة تأمر وتنهى وتخضع الإنسان لإرادتها فيصبح عبدًا تابعًا لها.
الرغبة المادية الجامحة صوتها مزعج، وإذا اعتلى زعيقها داخل الإنسان فهي تخرس كل أصوات العفة داخله، وتلجم كل دعوة للكفاف والاستغناء، فهي تطرد كل نبيل داخل الإنسان لتصبح هي المتفردة والمعيار دائما.
المادية المطلقة، بداية الاندثار ..