بقلم: جواهر العامري
تضعنا مواقف الحياة في بعض الأوقات في مواجهة أحداث متعلقة بأشخاص نعيش معهم قصة جميلة وشعورًا أجمل نسميه (قصة شعور)، وخاصة إن كان هذا الشعور من فئة خاصة أهلها من أهل القلوب الطاهرة والنيات النقية والوجوه البريئة الصافية، حين نعيش معهم قصة شعور مليئة بالإحساس والمشاعر الحقيقية الحية.
فحين كنت في مجال عمل أعمل فيه لرعاية فئة خاصة بريئة جميلة يحمل أصحابها في دواخلهم مشاعر لا تُرى إلا من خلال الشعور والاهتمام بهم، ولا تعيش معهم مشاعرهم إلا بكسب ثقتهم وأمانهم.
ذلك الشعور الجميل الذي شعرت به بعد عدة محاولات لكسب ثقة حمامة جميلة تأتي كل يوم فتجدها تصرخ وتبكي خوفًا وكأنها تعيش قلقًا لا يعلمه إلا الله، فيستعملون مع هذه الحمامة بعض الطرق التي تهدئ من روعها فلا تستجيب الا لطريقة واحدة من خلال سماعها لبعض الآيات والتراتيل القرآنية فقط، فهذه الحمامة الجميلة ذات العينين الكفيفتين لا تشعر بالأمان ولا تثق بأي يد.
كنت أحاول مرات عديدة حتى نجحت في التقرب واللعب معها وتشتيت خوفها وإشعارها بأنها في أمان وأننا نشعر بها. وحين أمسكت بيديها الاثنتين وبدأت ألعب معها وأنشد لها إذا بها تشدّ على يديّ، وتبتسم تلك الابتسامة التي مازالت ترفرف في قلبي إلى الآن، وحين أضع رأسي على رأسها أسمع بعض تمتماتها وكأنها تردد بعض التراتيل القرآنية التي اعتادت سماعها، حينها أشعر بأنها تشعر بالأمان معي، وحين أقترب منها وأمسك بيدها تشم رائحة يدي وتبتسم؛ لأنها عرفتني تلك الحمامة صنعت لي حياة مليئة بالسعادة التي خفت أنْ أُحسد عليها. غادرت عش حمامتي وقلبي من حزني استنزف سعادتي.
وذات مرة حضر عصفور صغير خفيف الظل جميل الروح لكنه يحارب بيده الصغيرة كي لا يلمسه أحد، عصفور عدواني لطيف، بعد فترة من الزمن ومع العشرة القصيرة أصبح لطيفًا ومسالمًا، وصرنا صديقين. حين كان هذا العصفور الجميل يأتي كل صباح كنت أراه فيبتسم لي ويبتسم قلبي وكل يومي به، أصبح لطيفًا محبوبًا جدًّا، وكنت أراه يتغير حين ألتفت باهتمامي إلى حمامة أو عصفور آخر. صرت أحبه جدًّا وأحب ابتسامته البريئة اللطيفة، ورائحته الزكية الطيبة.
وبينما كنت أنتقل بين حمامة وعصفور؛ إذا حمامة أخرى تأسرني، وتحب أن تصفق يدها الصغيرة بيدي، وتكرر بعض الكلمات اليسيرة عليها حين تسمعها منا، فهي بذلك تساعدنا في تصفية الجو في حديقتنا الجميلة بكل طيورها اللطيفة، مازال صوت ضحكاتها في مسمعي وعمق قلبي، وما زالت حركاتها البريئة لجذب انتباهنا تأسرني، هؤلاء طيور الجنة والله وليهم، تجدون معهم من السعادة والخير والبركة ما لا ترونه في حياتكم بفضل الله ثم بفضلهم..
ومازال هناك قصص شعور مع طيور أخرى جميلة جدًّا رأيت سعادتي في ابتسامتهم وضحكاتهم، ورأيت حزني يذوب في ثقتهم وشعورهم بالأمان معي، وشاهدت ألمي ووجعي يهرب مني حين أكون بينهم وبين أصواتهم وأشكالهم التي تجعلني أرى الحياة جميلة وبخير، ولكل منهم قصة شعور مختلفة عن الآخر.
الشعور -وإن كتبناه- نظل مقصرين في وصفه وتوصيفه؛ فهناك قصص من المشاعر تخلق فينا السعادة والحياة إذا بحثنا عنها قد لا نجدها، بل يدبرها الله لنا بما تحمله دواخلنا من صدق وإخلاص، ومن تسخير خلقه الطيبين لنا ولغيرنا من خلقه.
فالشعور نعمة عظيمة؛ وله قصص جميلة يجهلها البعض، ويغفل عن كتابتها أو وصفها البعض الاخر.