محاضر الفيزياء بـ كلية الفيحاء محمد صلاح: الفيزياء تفتح أبوابها لمن يفهمها .. والإرشاد الأكاديمي يُمهد دروب النجاح لمن يسلكه

الجبيل – ريم الدوسري
في بيئة أكاديمية تزخر بالكفاءات والخبرات، يبرز الأستاذ محمد صلاح جاد ، مدير وحدة الإرشاد الأكاديمي ومحاضر الفيزياء بكلية الفيحاء الأهلية بالجبيل، كأحد النماذج التي جمعت بين التدريس والتوجيه الأكاديمي في آنٍ واحد.
من خلال عمله مع الطلاب، استطاع أن يرسخ ثقافة الإرشاد الأكاديمي بوصفه جسرًا نحو التميز والنجاح، وأن يجعل من مادة الفيزياء مساحة للفهم والتحليل، لا للحفظ والتلقين.
في هذا اللقاء، يحدثنا عن رؤيته في التعليم، وتجربته داخل الكلية، وتحديات الإرشاد الأكاديمي في عصر تتسارع فيه المتغيرات التعليمية والتقنية.
بداية حدثنا عن تجربتكم في كلية الفيحاء الأهلية، وكيف تصفون بيئة العمل الأكاديمية فيها؟
تجربتي في كلية الفيحاء الأهلية جاءت بعد تجربة امتدت لمدة عقدين بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجامعة ستراسبرج بفرنسا، ثم جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل بالمملكة، لتتواصل الرحلة بتجربة غنية ومُلهمة في كلية الفيحاء الأهلية بالجبيل، والتي حملت في طيّاتها فرصًا واسعة للتعليم والنمو والتجدد، وتطوير البرامج والخدمات الأكاديمية.
كل أعضاء المنظومة هنا تعمل كأسرة واحدة هدفها تخريج “أبناءنا الطلاب” مؤهلين وقادرين على المنافسة في سوق العمل، فنحن نؤمن بأن التعليم رسالة سامية تُؤدى بروح من الإخلاص والمسؤولية. أما الطلبة، فهم محور العملية التعليمية، والعلاقة معهم قائمة على الحوار والتوجيه لا التلقين، ما يخلق بيئة تعليمية تفاعلية تقوم على الفهم والإبداع لا الحفظ والتقليد.
كيف تنظرون إلى دور الإرشاد الأكاديمي في بناء شخصية الطالب الجامعي وتوجيهه نحو النجاح؟
الإرشاد الأكاديمي ليس مجرد متابعة تسجيل أو حضور وغياب، بل هو علاقة إنسانية وتربوية متكاملة، فدور المرشد الأكاديمي أن يساعد الطالب على فهم ذاته، وتحديد أهدافه، والتخطيط لمستقبله الأكاديمي والمِهني. عندما يدرك الطالب أنه ليس وحده في رحلته الجامعية، تتضاعف ثقته بنفسه وينعكس ذلك إيجابًا على أدائه.
ما أبرز التحديات التي تواجه الطلاب في مسيرتهم الأكاديمية؟ وكيف تساعدونهم على تجاوزها؟
من أبرز التحديات التي يواجهها الطلاب في بداية مشوارهم الجامعي ضعف إدارة الوقت وصعوبة الانتقال من نمط المدرسة إلى بيئة جامعية تتطلب قدرًا عاليًا من الاستقلالية والمسؤولية.
وفي وحدة الإرشاد الأكاديمي نحرص على دعمهم في تجاوز هذه المرحلة من خلال برامج توعوية تساعدهم على تنظيم جداولهم الدراسية وتحقيق التوازن بين متطلبات الدراسة والحياة الشخصية. كما نقدم جلسات إرشاد فردية تراعي احتياجات كل طالب على حدة، لضمان حصوله على التوجيه المناسب لمساره الأكاديمي والشخصي.
من واقع خبرتكم، ما الأخطاء الشائعة التي يقع فيها الطلاب عند اختيار تخصصاتهم أو تنظيم أوقاتهم الدراسية؟
يواجه بعض الطلبة تحديات في اختيار تخصصاتهم الجامعية، فقد يعتمدون على آراء الأصدقاء او الاهل ، دون النظر بعمق إلى ميولهم وقدراتهم الشخصية. كما يغفل آخرون عن أهمية التخطيط اليومي وإدارة الوقت، مما يؤدي إلى تراكم المهام والضغوط مع نهاية الفصل الدراسي.
ونلاحظ كذلك أن بعض الطلبة يتسرعون في تسجيل عدد كبير من المقررات الأكاديمية ظنًا منهم أن ذلك سيسهم في رفع معدلاتهم بسرعة، دون استشارة مرشديهم الأكاديميين، الذين يملكون الخبرة اللازمة لمساعدتهم على توزيع العبء الدراسي بطريقة متوازنة تحقق النجاح دون إرهاق. لذلك نحرص في وحدة الإرشاد الأكاديمي على توعية الطلبة بأهمية الوعي الذاتي، والتخطيط المبكر، والاستفادة من الإرشاد الأكاديمي في رسم مسارهم الجامعي بما يتناسب مع طموحاتهم وقدراتهم الفعلية.
كيف يمكن للطالب أن يستفيد من المرشد الأكاديمي بأفضل صورة ممكنة؟
على الطالب أن يبادر، لا ينتظر حتى تظهر المشكلة. المرشد الأكاديمي موجود لمساعدته في كل خطوة. فالإرشاد لا يقتصر على حل المشكلات بعد وقوعها، بل يبدأ منذ الخطوات الأولى للتسجيل ويمتد حتى التخرج. ومن المهم أن يدرك الطالب أن المرشد الأكاديمي شريك نجاح، ووجوده يهدف إلى دعمه وتوجيهه نحو القرارات الصحيحة في مساره الدراسي. وكلما كان التواصل مستمرًا ومنفتحًا، كانت النتائج أكثر إيجابية. فالإرشاد الأكاديمي الفعّال يقوم على الثقة المتبادلة والاحترام المتبادل، وهما الأساس لبناء علاقة مثمرة تُسهم في تحقيق التوازن بين طموح الطالب ومتطلبات دراسته.
هل ترون أن طلاب اليوم يختلفون عن طلاب الأمس من حيث الدافعية ومستوى الالتزام؟
نعم، طلاب اليوم أكثر انفتاحًا على التكنولوجيا وأسرع في الوصول إلى المعلومة، لكن هذا الانفتاح يحتاج إلى توجيه. الفرق الجوهري هو أن طلاب اليوم يريدون أن يفهموا “لماذا” قبل أن يحفظوا “كيف”، وهي نقطة إيجابية إذا تم توظيفها بشكل صحيح.
باعتباركم محاضرا في مادة الفيزياء، كيف يمكن تبسيط هذه المادة للطلاب وجعلها أكثر قربًا من واقعهم؟
الفيزياء هي الطبيعة، والطبيعة ليست مادة صعبة وأنا أؤمن أن تبسيط هذه المادة يبدأ من ربطها بحياة الطالب اليومية. فالفيزياء ليست معادلات جامدة أو نظريات بعيدة عن الواقع، بل هي علم يفسر ما نراه ونعيشه في كل لحظة، من حركة السيارة، إلى سقوط المطر، إلى استخدام الهاتف الذكي. لذلك أحرص دائمًا على تحويل المفاهيم المجردة إلى تطبيقات ملموسة عبر التجارب العملية، والمشاهدات البصرية، وربط الدروس بظواهر مألوفة تجعل الطالب يشعر أن الفيزياء “تتحدث لغته”. كما أُشجّع الطلبة على الاستكشاف والتساؤل بدل الحفظ والتلقين، لأن الفهم الحقيقي للفيزياء يقوم على الفضول والعقلية الباحثة.
إن جعل الفيزياء قريبة من الواقع يحتاج إلى أسلوب تدريسي يتوازن بين العلم والتحفيز، وبين الشرح المبسط والمثال الواقعي. وعندما يدرك الطالب أن الفيزياء ليست صعبة، بل عميقة وممتعة، تبدأ رحلته الحقيقية في فهم هذا العلم الجميل.
ما العلاقة بين الجانب الأكاديمي والجانب النفسي في توجيه الطالب؟ وهل يتداخلان في عملكم اليومي؟
العلاقة بين الجانب الأكاديمي والجانب النفسي علاقة تكامل لا انفصال. فالنجاح الأكاديمي لا يتحقق بمعزل عن الاستقرار النفسي، والعكس صحيح؛ فكل تعثر دراسي غالبًا ما تكون خلفه ضغوط أو عوامل نفسية تؤثر على تركيز الطالب ودافعيته.
في عملنا اليومي داخل وحدة الإرشاد، نحرص على التعامل مع الطلاب كمنظومة متكاملة، نراعي فيها الجانب النفسي إلى الجانب الأكاديمي. فكما نساعد على تنظيم الجداول الدراسية أو اختيار التخصصات، نأخذ في الاعتبار مشاعرالطالب، وميوله، وثقته بنفسه، وقدرته على التكيف مع بيئة الكلية.
كثير من المشكلات الأكاديمية في جوهرها مشكلات نفسية مثل القلق، أو ضعف الثقة، أو الخوف من الفشل ، لذلك نعمل بشكل متكامل لتوفير الدعم النفسي والإرشادي، لضمان أن يشعر الطالب بالأمان والدافعية في آن واحد.
باختصار، الإرشاد الفعّال هو مزيج من العلم والإنسانية؛ يوجّه العقل ويحتوي المشاعر، ليصل الطالب إلى توازنه الأكاديمي والنفسي معًا، فأحيانًا كلمة دعم وتشجيع تكون أكثر تأثيرًا من أي خطة دراسية.
هل هناك مبادرات أو خطط تطويرية تعمل عليها وحدة الإرشاد الأكاديمي حاليًا؟
نعم، نعمل حاليًا على إطلاق مبادرة “المرشد القريب”، وهي تهدف إلى توسيع دائرة التواصل بين الطلاب والمرشدين عبر لقاءات غير رسمية وجلسات حوارية. كما تم إعداد دليلًا إلكترونيًا للإرشاد الأكاديمي يُسهل الوصول للمعلومات والإرشادات بسرعة.
أخيرًا، ما الرسالة التي تودون توجيهها لطلاب كلية الفيحاء مع بداية كل عام أكاديمي جديد؟
أن يجعلوا من هذه المرحلة نقطة انطلاق حقيقية نحو أحلامهم وطموحاتهم. الكلية ليست فقط مكانًا للدراسة، بل رحلة لبناء الشخصية، واكتساب الخبرة، وصقل المهارات.
أنصحهم بأن يبدأوا عامهم بهمة عالية، وأن يخططوا لأهدافهم بوعي وتنظيم، وألّا يترددوا في طلب المساعدة أو الاستشارة، فكل عضو هيئة تدريس وإرشاد وإدارة موجود لدعمهم ومساندتهم.
وأذكّرهم أن النجاح لا يأتي دفعة واحدة، بل يصنعه العمل المتواصل، والانضباط، والإصرار على التعلم والفهم لا الحفظ. فليثق كل طالب أن بوسعه أن يبدع متى ما آمن بقدراته واستثمر إمكاناته.
كل فصل دراسي جديد نريده بداية إنجاز، لا مجرد تقويم جديد بل بداية نُجدد فيها العزم، ونكتب فيها فصولًا جديدة من التميز والنجاح في كلية الفيحاء الأهلية.







