الثقافة

‎(ملحمة الدعاءُ و السُّعُود)

القَرْنُ أَوشَكَ وَالأعْيَادُ تَتَّصِلُ
‎وكُلُّ عامٍ لِزَاهِي عِيدِهِ حُلَلُ
‎السَّعْدُ مُخْمَلُهَا وَالأمْنُ مِغْزَلُهَا
‎إِنَّ السُّعُودَ بِنَوْلِ الأمنِ ينْغَزِلُ
‎أرْسَى الخَلِيلُ لِهَذَا النَّسْجِ لُحْمَتَهُ
‎لَمَّا تَوَجَّهَ لِلرَّحْمَنِ يبْتَهِلُ
‎أسْكَنْتُ أهْلِي بِوَادٍ مَا بِهِ رَمَقٌ
‎فَاجْعَلْ إلَيْهِم وُفُودَ النَّاسِ تَرْتَحِلُ
‎اجْعَلْهُ وَادٍ هَمِيلَ الغَيْثِ مُزْدَهِرًا
‎أمْنًا سَخَاءً، وَلَا خَوْفٌ وَلَا مَحَلُ
_ _ _
‎لِلَّهِ دَرُّ نَبِيٍّ رَبُّهُ مَعَهُ
‎يَدْعُو وَيَسْأَلُ وَالخَيْرَاتُ تَنْهَمِلُ
‎لقد تَمخّض بطنُ الغيبِ معجزةً
‎فَسَجَّلَ الفَتْحَ فِي أسْفَارِهِ الأَزَلُ
‎لَمْ تَدْرِ “جُرْهُمُ” أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَهَا
‎تَحْدُو قَوَافِلَهَا لِلْعِزِّ تَنْتَقِلُ
‎لَاحَتْ لَهَا فِي فِجَاجِ البِيدِ لَائِحَةٌ
‎فَيَمَّمَتْهَا وَحَادِي رَكْبِهَا العَجَلُ
‎لَمَّا أتَتْهَا رَأَتْ مِن شَأْنِهَا عَجَبًا
‎و كلُّهم حائرٌ مِنْ وَقْعِهِ ذَهِلُ
_ _ _
‎مَاءٌ وَطِفْلٌ وَأُمٌّ وَسْطَ هَاجِرَةٍ
‎هَذَاكَ مَا بَصَرُوا أَمْ زَاغَتِ المُقَلُ؟
‎مَا عَاشَ جِنٌّ بِهَذَا الشِّعْبِ أَوْ بَشَرٌ
‎مِنْ أَيْنَ جَاءَتْ؟ وَلا رَحْلٌ و لا ظُلَلُ؟
‎مَنْ ذَا يُبَدِّدُ لِلأعْرَابِ حَيْرَتَهُمْ؟
‎هَلْ تُسْأَلُ الرِّيحُ؟ أَمْ يُسْتَنْطَقُ الجَبَلُ؟
‎مَا بَيْنَ مَرْوَةَ وَالصَّفَا حَدَثٌ
‎لَمْ يُدْرِكُوا سِرَّهُ، لَكِنَّهُ جَلَلُ
‎مَا كَانَ أسْعَدَهَا أُمًّا وَقَدْ عَلِمَتْ
‎أنْ طَابَ لِلْقَوْمِ عِنْدَ المَوْرِدِ النُّزُلُ
_ _ _
‎لَهْفِي لِطِفْلٍ يَكَادُ الرَّمْضُ يَصْهَرُهُ
‎الشَّمْسُ تُلْهِبُهُ وَالحَرُّ يَشْتَعِلُ
‎لَمَّا يَزَلْ وَخَيَالُ المَوْتِ يَرْقُبُهُ
‎حَتَّى تَفَجَّرَ نَبْعٌ سَائِغٌ جَزِلُ
‎لَعَلَّ لِلطِّفْلِ فِي التَّارِيخِ مَلْحَمَةً
‎لَا شَيْءَ فِي رِحْلَةِ الإِنْسَانِ مُرْتَجَلُ
‎لُطْفٌ تَغَشَّى مَوَاتَ الرَّبْعِ مُنْسَرِبًا
‎أَحْيَا اليَبَابَ، فَزَالَ العُقْمُ وَالعَطَلُ
‎لَولا الفيوضُ تداعت من معاقِلها
‎مَا اخْضَرَّ نَبْتٌ بِهِ أَوْ أَطَّتِ الإِبِلُ*٢
_ _ _
‎كَيْفَ اكْتَسَتْ هَذِهِ الوِدْيَانُ نَضْرَتَهَا؟
‎وَكَيْفَ جَاءَ إلَيْهَا العَارِضُ الهَطِلُ؟
‎كُلُّ الشُّؤُونِ مِنَ الرَّحْمَنِ مَصْدَرُهَا
‎مَا خَالَطَ الكَوْنَ نُقْصَانٌ وَلَا خَلَلُ
‎كُتُبٌ وَوَحْيٌ وَأَلْوَاحٌ مُطَهَّرَةٌ
‎فِيهَا تَبَيَّنَتِ الأَسْبَابُ وَالسُّبُلُ
‎كَمْ مُرْسَلٍ جَاءَ مِصْبَاحًا لِأُمَّتِهِ
‎فَالصُّبْحُ مُنْبَلِجٌ وَاللَّيْلُ مُرْتَحِلُ
‎كَانَ الخِتَامُ بِخَيْرِ الخَلْقِ كُلِّهِمُ
‎عَلَى يَدَيْهِ كِتَابُ الدِّينِ يَكْتَمِلُ
_ _ _
‎آيَاتُ رَبِّي تَوَالَتْ مَا بِهَا عِوَجٌ
‎تَضُوعُ مِنْ مَتْنِهَا الأَخْلَاقُ وَالمُثُلُ
‎آخَى الرَّسُولُ بِهَا مَنْ كَانَ مُخْتَصِمًا
‎مَا عَادَ فِي عُرْفِهِمْ ثَأْرٌ وَمُقْتَتَلُ
‎آلَوْا عَلَى نَفْسِهِمْ وَاسْتَغْلَظُوا قَسَمًا
‎أَنْ لَيْسَ يَشْغَلُهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ شُغُلُ
‎آنَاءَ لَيْلَاتِهِمْ ذِكْرٌ وَتَزْكِيَةٌ
‎أَمَّا النَّهَارُ، فَفِي آنَائِهِ العَمَلُ
‎آفَاقُهُمْ سَطَعَتْ بِالدِّينِ بَاهِرَةً
‎وَأَسَّسُوا دَوْلَةً دَانَتْ لَهَا الدُّوَلُ
_ _ _
‎لِوَاؤُهُمْ فِي ذَرَارِي المَجْدِ مُرْتَفِعٌ
‎مَا شَابَ سِيرَتَهُمْ بَغْيٌ وَلَا ذَلَلُ
‎لَاذُوا بِحَبْلٍ مِنَ الرَّحْمَنِ وَاحْتَمَلُوا
‎مَنْ يَطْلُبِ الفَوْزَ بِالرِّضْوَانِ يَحْتَمِلُ
‎لَقَدْ أَطَاعُوا رَسُولَ اللهِ وَاتَّبَعُوا
‎فَهْوَ الدَّلِيلُ لَهُمْ وَالقُدْوَةُ المَثَلُ
‎لَمْ تَنْكَسِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ شَوْكَتُهُمْ
‎مَا فَتَّ مِنْ عَزْمِهِمْ ضَعْفٌ وَلَا كَلَلُ
‎لَا زَالَ صَفٌّ مِنَ الإِسْلَامِ يَجْمَعُهُمْ
‎حَتَّى أَتَاهُمْ عَدُوُّ اللهِ يَحْتَبِلُ
_ _ _
‎سَلْ وَاتَّعِظْ – إِنْ كُنْتَ مُتَّعِظًا –
‎عَنْ دَوْلَةٍ غَالَهَا التَّخْرِيفُ وَالدَّجَلُ
‎سَادَ الجَزِيرَةَ خُلْفٌ بَعْدَ وَحْدَتِهَا
‎إِنَّ التَّفَرُّقَ بِالشَّيْطَانِ مُتَّصِلُ
‎سُمُّ الجِدَالِ تَفَشَّى فِي دَوَاخِلِهِمْ
‎وَقَدْ يَشُلُّ حِرَاكَ الأُمَّةِ الجَدَلُ
‎سَفِهُوا فَضَاقَتْ لِفَرْطِ الجَهْلِ حِيلَتُهُمْ
أشقى الأنام سفيهٌ غافلٌ خَمِلُ ‎
‎سبحان من هذه الدنيا بِقَبضتهِ
‎يؤتي و ينزِعُ ، ما في حُكمه هَزَلُ
_ _ _
‎عَقَدَ اللِّوَاءَ لِمَنْ نَارت بَصِيرَتُهُ
‎عَبْدِ العَزِيزِ، وَنِعْمَ القَائِدُ البَطَلُ
‎عَفٌّ تَقِيٌّ وَبِالسَّمْحَاءِ مُشْتَمِلٌ*٣
‎العَقْلُ زِينَتُهُ وَالصَّبْرُ وَالمَهَلُ
‎عَدْلٌ أَقَامَ بِحَدِّ السَّيْفِ مَنْ فَسَقُوا
‎بَعْضُ الجِرَاحِ بِحَدِّ السَّيْفِ تَنْدَمِلُ
‎عَادَتْ عَلَى يَدِهِ النَّعْمَاءُ وَافِرَةً
‎إِنَّ الطَّرِيقَ – إِذَا قَوَّمْتَ – يَعْتَدِلُ
‎عَمَّ الأَمَانُ وَعَادَ السَّعْدُ يَتْبَعُهُ
‎طُوبَى لِعَبْدٍ عَلَى المَنَّانِ يَتَّكِلُ
‎عِزٌّ تَوَارَثَهُ الأَبْنَاءُ وَاؤْتُمِنُوا
‎وَلِلأَمَانَةِ، إِنْ كُلِّفْتَهَا، ثِقَلُ
‎عَكَفُوا عَلَى النَّهْجِ تَأْصِيلًا وَتَرْقِيَةً
‎وَمَنْ تَوَسَّطَ فِي مَنْهَاجِهِ يَصِلُ *٥
‎عهدُ الحضارةِ (بن سلمان ُ) رائدهُ
‎سلمانُ) منا شعارٌ ما له بدلُ)
‎عَمِدُوا إِلَيْهِ، فَلَا غُلْوَاءَ تُقعِدُهم
‎عَنْهُ، وَلَا ضَعْفٌ وَلَا كَسَلُ
‎عَظُمَتْ بِمَا عَظَّمُوا الحَرَمَيْنِ سِيرَتُهُمْ
‎سِرُّ السُمُوِّ مَقَامًا، عَاهِلٌ فَعِلُ
_ _ _
‎وَادِي الخَلِيلِ غَدَا فِي الأَرْضِ مَمْلَكَةً
‎كُلُّ الصُّدُورِ لَهَا بِالحُبِّ تَعْتَمِلُ
‎وَفِيَّةً أَوْقَفَتْ لِلدِّينِ هِمَّتَهَا
‎فَهْيَ الوِعَاءُ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ
‎وَقُورَةً عَظَّمَ القُدُّوسُ هَيْبَتَهَا
‎حَيْثُ الكَبَائِرُ عِندَ البَيْتِ تُغْتَسَلُ
‎وَطِيدَةَ الرُّكْنِ، رَبُّ الكَوْنِ شَرَّفَهَا
‎فِيهَا تَوَحَّدَتِ الأَدْيَانُ وَالقِبَلُ
‎وَمَا أَضَاعَتْ لِمَنْ أَوْصَى وَصِيَّتَهُ
‎أَلَّا يُبْدِلَكُمْ عَنْ دِينِكُمْ خَطَلُ
_ _ _
‎دِينٌ تَأَسَّسَ بِالتَّوْحِيدِ قَائِمُهُ
‎دِينٌ تَحَطَّمَ مِنْ إِعْصَارِهِ “هُبَلُ”
‎دَرْسٌ تَفَهَّمَهُ الأَجْيَالُ فَاتَّحَدُوا
‎مَا عن مَسيرَتِهم – مِنْ بَعْدُ – مُنْعَزِلُ
‎دَرَجُوا عَلَى دَرَجِ المُخْتَارِ فَارْتَفَعُوا
‎شُمَّ الأُنُوفِ، أُبَاةً قَلْبُهُمْ رَجُلُ
‎دَارَتْ عَلَيْهِمْ كُؤُوسُ السَّعْدِ مُتْرَعَةً
‎فِي عِيدِ وَحْدَتِهِمْ وَالكُلُّ مُنْفَعِلُ
‎دَامَتْ لَكُمْ أِخُوَةَ الإِسْلَامِ وَحْدَتُكُمْ
‎بِأَيِّ يَوْمٍ سِوَى التَّوْحِيدِ يُحْتَفَلُ؟

هوامش :

*١_ تتكون هذه القصيدة من أحد عشر مقطعا، في كل مقطع خمس أبيات، أُبتدئت بحرف واحد، ترتيب الأحرف ترتيبا تنازليا، يُكمل صورة هذه الملحمة ..

*٢_العَطَل هو الخُلو من الشيء

*٣ _( أَطَّتِ الإبل) : تعني صوت الإبل وحنينها.

*٤ _إشارة للسنة النبوية الشريفة.

*٥_إشارة لمشروع السعودية العُظمى ٢٠٣٠ الذي يرعاه خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان ويتبناه ولي عهده سمو الأمير محمد حفظهما الله.

‎شعر : عبد الحليم سرّ الخَتَم محمد – سوداني زائر _ المدينة المنورة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى