الكتاب

هل تساعد تطبيقات الترجمة على الآيباد في تعلّم الإنجليزية؟ .. بقلم / د. فايز الجوبعي

في ظل التحوّل الرقمي المتسارع، لم تعد قاعات الدراسة التقليدية هي الفضاء الوحيد لتعلّم اللغات، بل أصبح الهاتف الذكي والآيباد شريكًا أساسيًا في العملية التعليمية، خصوصًا لدى طلاب الجامعات.

ومن بين أكثر الأدوات استخدامًا في هذا السياق، تأتي تطبيقات الترجمة التي باتت ترافق الطالب في كل لحظة تعلّم.

لكن السؤال الجوهري يبقى:
هل تسهم هذه التطبيقات فعلًا في تحسين مستوى اللغة الإنجليزية؟

أم أنها مجرد أداة مساعدة سطحية؟

هذا السؤال كان نقطة الانطلاق لدراسة علمية حديثة أُجريت على طلاب جامعيين سعوديين، ونُشرت نتائجها في مجلة علمية مفهرسة ضمن Scopus، إحدى أهم قواعد البيانات البحثية العالمية.

ركزت الدراسة على أربعة عناصر رئيسة تؤثر في تجربة الطالب مع تطبيقات الترجمة: اتجاهات الطلاب نحو هذه التطبيقات، وسهولة استخدامها، ومدى شعورهم بفائدتها التعليمية، إضافة إلى مستوى اندماجهم وتفاعلهم أثناء التعلّم.

وقد شملت عيّنة الدراسة طلابًا من أربع جامعات حكومية سعودية، مما منح النتائج واقعية وقابلية للتطبيق في البيئة الجامعية.

واعتمدت الدراسة على منهج يجمع بين الاختبارات والتجربة، حيث خضع الطلاب لاختبار في اللغة الإنجليزية قبل استخدام تطبيقات الترجمة، ثم لاختبار آخر بعد فترة من الاستخدام لها. هذا الأسلوب أتاح مقارنة مستوى الطلاب قبل وبعد، ومعرفة ما إذا كان هناك تحسّن حقيقي في مهاراتهم اللغوية.

وأظهرت النتائج تحسّنًا واضحًا في مستوى اللغة الإنجليزية لدى الطلاب بعد استخدام تطبيقات الترجمة. وقد كان التحسّن الأكبر في مهارتي القراءة والمفردات، تلتها القواعد اللغوية. ويشير ذلك إلى أن هذه التطبيقات تساعد الطلاب على فهم النصوص بشكل أفضل، واكتساب كلمات جديدة، وتثبيت المعرفة اللغوية لديهم.

لكن النتيجة الأهم التي كشفتها الدراسة هي أن الاندماج في التعلّم كان العامل الحاسم في نجاح هذه التطبيقات. فالطلاب الذين استخدموا تطبيقات الترجمة بشكل نشط، وتفاعلوا معها، واستثمروها في التعلّم، حققوا نتائج أفضل من غيرهم. أما الاعتماد عليها بشكل آلي وسريع دون تفكير أو مشاركة، فلم يكن كافيًا لتحقيق تقدّم لغوي ملموس.

بعبارة بسيطة، توصلت الدراسة إلى أن التطبيق وحده لا يصنع الفرق، بل طريقة استخدامه. فسهولة التطبيق، وشعور الطالب بفائدته، ونظرته الإيجابية نحوه، كلها عوامل مهمة، لكنها تؤثر في تعلّم اللغة فقط عندما تقود إلى مشاركة نشطة وواعية من الطالب.

وتحمل هذه النتائج دلالات مهمة للمعلمين والمؤسسات التعليمية. فهي تشير إلى أن تطبيقات الترجمة يمكن أن تكون أداة تعليمية فعّالة إذا تم دمجها في أنشطة تفاعلية داخل الصف وخارجه، مثل مهام القراءة، وبناء المفردات، والعمل الجماعي، بدل الاكتفاء باستخدامها كوسيلة فورية للترجمة فقط.

كما توجّه الدراسة رسالة واضحة لمطوّري التطبيقات، مفادها أن التصميم البسيط وسهولة الاستخدام عنصران أساسيان في نجاح أي تطبيق تعليمي.

فكلما كان التطبيق أكثر وضوحًا وأسهل في التنقل، زادت فرص استخدامه بشكل فعّال، وارتفع مستوى تفاعل المتعلم معه.

أما على مستوى السياسات التعليمية، فتؤكد الدراسة أهمية الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وتدريب المعلمين على الاستخدام الذكي للتقنية، وتشجيع الطلاب على توظيف تطبيقات الترجمة بطريقة مسؤولة تخدم تعلّمهم، لا تحل محل التفكير أو الجهد الذاتي.

وفي الختام، تؤكد هذه الدراسة أن تطبيقات الترجمة على أجهزة الآيباد ليست عائقًا أمام تعلّم اللغة الإنجليزية كما يعتقد البعض، بل يمكن أن تكون وسيلة قوية ومفيدة إذا استُخدمت بوعي وتوجيه صحيح. ففي زمن التعلّم المحمول، لم يعد السؤال هو: هل نستخدم التقنية في التعليم؟

بل أصبح السؤال الأهم: كيف نستخدمها بطريقة ذكية تعزّز التعلّم بدل أن تختصره؟
ملاحظة: يستند هذا المقال إلى دراسة علمية منشورة في مجلة مفهرسة ضمن قاعدة Scopus، أُنجزت بالمشاركة مع الزميلة د. إلهام الزين من جامعة الملك فيصل.

د.فايز الجوبعي

مدير وحدة الجودة بـ كلية الفيحاء الأهلية بالجبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى