قوة الفكرة
بقلم | الفيصل الحارثي
منذ طفولتنا ونحن نشاهد الأفلام مع عائلاتنا وفي مرحلة متقدمة لعلنا قرأنا روايات مختلفة المواضيع و الأفكار و لنتفق على شيء هنا أنها قد لامستنا بشكل ملحوظ و عميق لربما إن لمست شيئا من واقعنا الذي نعيشه. يقال إن أردت صنع كذبة محكمة فامزجها بشيء من الواقع. و لكن ماذا إن كانت هذه الخدعة السنيمائية والحبكة المغروسة بين تفاصيل أي عمل قد توحي بحقيقة ما تخفى عن الكل أو أشبه بنظرية تحاك في الخفاء و في العلن كذلك فتظهر لنا عيانا في حين أن كل مصدق بها لا يعتبر سوى مجنون! في إحدى روايات الكاتب الأمريكي دان براون وتحديدا في رواية “الرمز المفقود” تطرق الراوي على لسان إحدى شخصيات الرواية إلى موضوع لا يعتبره الأغلب سوى ضرب من خيال وشيء من خزعبلات الروحانيين و المنجمين و هو موضوع ” قوة الفكرة و تأثير الوعي الجماعي”. تتحدث الدكتور كاثرين و هي إحدى شخصيات الرواية السابقة عن وجود قوة حقيقية مادية تقبع بين جنبات عقولنا و في أدمغتنا فيمكنها -إن طوعت بشكل صحيح- أن تخلق تأثيرا ملموسا ظاهرا في الأجسام و المواد كتحريكها مثلا. و تسترسل في حديثها حتى تصل إلى نقطة جمعت -أو جمع الكاتب- في نقطة التقاء واقعية بين هذه الفكرة و بين عادات دينية متأصلة موحدة بيننا بنو البشر و ان اختلفت الملل و هي الصلوات الجماعية خصوصا وقت الأزمات. حيث تطرح هنا فكرة أ ن الفكرة تحمل قوة معينة و لكنها لا تكون ذات تأثير إن كانت وحيدة و تكون أقوى إن أصبحت مع أفكار أخرى. كمثال واقعي عايشناه, نتذكر جميعا الجائحة و في بداياتها و كيف أثرت على نطاق واسع في البشر و على جميع النواحي, أصبح الناس فيها سواسية على صعيد فأصبح رجاؤهم جميعا أن تنتهي هذه الجائحة فلجو في صلاة و دعاء و ابتهال و كل بشريعته , حتى أنه قد دعي الرئيس الأمريكي الأسبق “ترامب” إلى صلاة و قداس معا أملا في انتهاء هذه الجائحة! لو استغرقنا لحظة في التفكر و التأمل, لما صعب علينا استنتاج وجود وعي واحد لنا بنو البشر يظهر في أوقات الكوارث على وجه الخصوص حين انعدام الأسباب الأرضية و الالتجاء إلى أسباب سماوية غيبية لتظهر معجزة ما. عندما ننظر للمسألة من منظور إسلامي و نأخذ الأدلة التطبيقية و النظرية نجد بالفعل وجود تشابه قوي و نقاط تدعم هذه الفرضية. فمثلا أن الصلاة جماعة أولى من الصلاة فرادى تدعم مسألة أن الفكرة لوحدها تكون ضعيفة إلا إذا اتحدت مع فكرة غيرها و تكون الأفكار موجهة موحدة. و في الحديث القدسي عن الله سبحانه و تعالى:(يا ابن ادم لو اجتمع الانس والجن على ان يضروك بشيء لن يضروك الا بشي قد كتبه الله عليك ولو اجتمع الانس والجن على ان ينفعوك بشئ لن ينفعوك الا بشئ قد كتبه الله لك رفعت الاقلام وجفت الصحف ( و حديث (الدعاء يغير القدر). كلها نصوص دينية تحمل إشارة بكون الفكرة تحمل قوة ذات تأثير وهذا التأثير يكون أقوى إذا ما اقترنت بأفكار تحمل نفس الهدف. يجرنا هذا إلى فرع اخر و هو نظرية الجذب و التي تنص على أن الإرادة القوية و الايمان تجذبان المقصود و يدعمها أيضا الحديث ( أنا عند ظن عبدي بي؛ إن خيرا فخير، وإن شرا فشر) فالظن فكرة و على أساسها يحصل المقصود أو المتوقع و الفكرة تجذب مثيلتها. كلها تبقى فرضيات تتباين في صحتها من فرد لفرد وليست وقائع و تجارب مخبرية حتى نثبت صحتها من عدمه و لكن تبقى للفكرة قوتها على الفرد و على المجتمع و للوعي الجماعي تأثيره على البيئة و على العالم كذلك. نحن نتاج أفكارنا وكيف ما نريد نكون عليها أن تكون.
_________
بقلم | الفيصل الحارثي