أقلام واعدةالمقالات

جرعة صمت . بقلم : جواهر العامري

بقلم/ جواهر العامري

الصمت من أفضل التمارين النفسية لمعالجة النفس من بعض أوجاعها حين نمر بأمر أو موقف يحتاج منا التفكير أو المراجعة، فهو الحل الذي يجعلنا نفكر بطريقة واضحة وسليمة..

والصمت ميزة مهمة يجهلها بعضنا وفيها من الفوائد ما الله به عليم؛ لأنها تجعل الإنسان يفكر بعمق وحكمة، وفيها يترفع بنفسه عن مواطن السخرية أو الأذى أو الغضب الذي يورث الندامة له أو لغيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (المُسلِمُ مَن سَلِم المُسلِمون من لسانِه)، كما أن الصمت يكسب الإنسان محبة الناس واحترامهم في بعض المواقف التي يكون فيها صمته قوة  فقد أشار الحسين بن محمد في كتابه صيد الأفكار  في الأدب والأخلاق عمَّا قيل عن أحد الصالحين “الزم الصمت يكسبك صفو المحبة، ويأمنك سوء المغبة، ويلبسك ثوب الوقار، ويكفك مؤنة الاعتذار”.

والصمت عند الفرج والفرح أعظم وأجمل وفي هذا أشير إلى النبي زكريا – عليه السلام – حين التزم الصمت ثلاثة أيام عبادة لله حمدًا وشكرًا، ومريم – عليها السلام – كما أخبرنا ربنا تبارك وتعالى عنها في قوله: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}.

وأقف هنا برهة لموطن جميل من مواطن الصمت حين نمر بوجع أو ألم لا نستطيع البوح به؛ ففي هذه الحالة الالتزام بالصمت فضيلة عن كشف هذا الوجع أو الألم لمن لا يؤتمن عليه أو يستهين به أو يشفق عليك منه، ومرجع لمن لا راد لفضله حين ابتلاك بهذا الوجع؛ اختبار ا لك وعبادة في الرجوع إليه، فاعتكف على مصلاك وأخرج كل ذاك الألم لله فقط ولا تَبُح به لمخلوق؛ حتى تسلم من الخذلان والانكسار الذي قد تدفع ضريبته مرارًا؛ لعدم التزامك بالصمت.

وأيضا حين يصدر من أحد المقربين إليك في حياتك وجع أو انكسار فتلتزم الصمت وتمضي وكأنك لم تسمع أو تشاهد شيئًا؛ حِفظًا للمودة وصلة القرابة، فتراجع نفسك أثناء صمتك المبطن بحكمتك التي تعيد بها كل شخص وثقة في مكانها الصحيح المناسب دون مبالغة أو تكلف، وبكل هدوء وسكينة وإن غلب غيظك منه ألجمه بصمتك.

الصمت دواء لكثير من الأوجاع لن يشعر به سوى من مارسه بصورة صحيحة وفي الموطن الأصح.

وكم ضرب العلماء والحكماء من أمثلة وحكم في الصمت وفنونه، وقبل ذلك أشارت السنة النبوية عن الصمت في أحاديث عدة ومنها: (مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) وعن قول لقمان الحكيم (الصمت حكمة وقليل فاعله).

وقد ذكر الدكتور خالد المنيف في كتابه كبر  دماغك: ” والصمت في مواطنه فضيلة، لا يدرك مزيتها إلا الراسخون في فهم الحياة، فالعزلة جمود، أما الصمت فهو حركة عقل وحياة وروح”.

وأيضا ما أشار إليه “هال إلرود” عن الصمت في كتابه: “معجزة الصباح : العادات الـ 6 لتغيير حياتك قبل الـ 8 صباحاً ” بعد أن جلست في صمت أصليّ وأتامّل وأركّز على تنفسي لمدة عشر دقائق، شعرت أنّ توتري تلاشي، وغمرني الهدوء واستكانت روحي. بدّل الفوضى المعتادة لصباحاتي القاسية ولأول مرة منذ وقت طويل شعرت بالسلام والسكينة”.

وهنا أقول لكم ارتاحوا واصمتوا قليلاً، واجعلوا الهدوء والسكينة تغشى أروحاكم المتعبة المرهقة، خذو نفسًا عميقًا وفكروا بعمق، وقولوا دائما “يا رب”.

التزموا الصمت كجرعة دواء تمامًا، له وقته، ومقداره، فلا تبالغوا فيه ولا تبخسوه حقه فتتعبكم آثاره الجانبية.

دمتم في راحة تغشى أروحاكم..

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى