
تمرُّ مواسم العيد محمّلة بالفرح والسرور، حيث يلتقي الأقارب وتُجدد الروابط العائلية، وتتبادل القلوب المحبة والود· لكن السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه بعد انتهاء هذه الأيام المباركة: ماذا بعد العيد؟ هل تقتصر صلة الرحم على أيام الفرح فقط، أم أنها مسؤولية مستمرة ينبغي أن نحافظ عليها طوال العام؟
في الإسلام، صلة الرحم ليست مجرد واجب مؤقت أو عادة اجتماعية موسمية، بل هي أمرٌ إلهي عظيم، ذُكر في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة كجزء من تقوى الله وعبادته· قال الله تعالى في محكم كتابه: «واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام» (سورة النساء: 1)· هذه الآية الربانية تربط بين التقوى وصلة الرحم، مؤكدة أن الحفاظ على العلاقات الأسرية هو من أبواب التقوى والطاعة لله·
كما ورد في الحديث النبوي الشريف عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام”· وهذا الحديث يدعو إلى المبادرة في صلة الأرحام، حيث تكون البداية بالسلام والود، ما يفتح باب المحبة ويزيل أسباب التنافر والبعد·
صلة الرحم ليست مجرد تواصل اجتماعي، بل هي سبب في جلب البركة والخير إلى الحياة، وتوفير السكينة والراحة النفسية للأسرة والمجتمع· فالأرحام هم منبع الرحمة وأساس الاستقرار الأسري، وعندما تُقطع هذه الروابط، تكثر النزاعات وتتراجع الروح الاجتماعية، مما قد يؤدي إلى مشكلات كبيرة تؤثر على الفرد والمجتمع على حد سواء·
بعد العيد، ينبغي علينا أن نجعل صلة الرحم عادة مستمرة، لا تنقطع بانتهاء موسم الاحتفال· فلنحرص على التواصل الدائم مع الأقارب، سواء بالزيارة أو بالاتصال، أو حتى بالدعاء لهم، فقد أثنى الإسلام على كل صور التواصل التي تقوي الأواصر بين الناس·
إن المحافظة على صلة الرحم تساهم أيضًا في حفظ الحقوق وتسهيل حل النزاعات التي قد تنشأ بين أفراد الأسرة، فهي تهيئ الأجواء الودية التي تمنع اللجوء إلى الخصومات القانونية والنزاعات التي قد تهدم روابط المحبة·
في ختام القول، يجب أن ندرك أن العيد فرصة عظيمة لتجديد المودة والتراحم، ولكن الأهم هو أن نُكمل هذا البناء المبارك طوال العام، لأن صلة الرحم لا تنتهي بيوم العيد، بل هي جسر دائم يربط القلوب ويضمن استمرار الخير والسلام بين الناس·
نسأل الله أن يوفقنا جميعًا للحفاظ على هذه الروابط، وأن يجعلنا من الذين يحسنون صلة الرحم، ويجعلنا من خير الناس الذين يبدأون بالسلام، آمين·
بقلم: المحامي د· عبداللطيف عبدالله الخرجي
أستاذ القانون في كليات الأصالة- الدمام