الكتاب

يا ليتني كنتُ لاعباً !.. بقلم: عطية الزهراني

بقلم : عطية الزهراني

{حين تعيد كرة القدم أسئلة العمر}

في مساءٍ اعتيادي بين زملاء العمر، حيث ترتفع أصوات الجماهير وتشتعل المباراة على الشاشة، يجذبك المعلّق ليس بتحليله ولا بخطط المدرب، بل بتلك الأرقام التي يذكرها بارتياح لافت :

قيمة العقد… مكافأة الفوز… السيارات الفارهة… الامتيازات…

وكأنها تنتمي لعالمٍ آخر مختلف تمامًا عن العالم الذي شقيت فيه عقودًا طويلة.

تتساءل في داخلك بخفة ممزوجة بتنهيدة صامتة :

طوال سنوات عملي، ومع مكافأة نهاية الخدمة، لم أصل إلى جزء من واحد من مليون من هذه الأرقام.

يتحدث زميلٌ قريب منك، فيرجع بك إلى مقعد الدراسة…

إلى زمن كانت فيه كرة القدم متعة الروح قبل أن تصبح صناعة واحترافًا.

كنا نركض خلفها باندفاع طفلٍ وعاشق، وربما كانت فينا مواهب لو صُقلت لكان لها شأن…

لكن الأب —رحمه الله— كان يرى الأمور بميزان زمانه، فيناديك بحزم يقول:

“يا لاعباً ! اترك اللعب واذهب ذاكر.”

لم تكن الكلمة مهينة، بل كانت رسالة تربوية مختصرة تقول :

إن الطريق الآمن يبدأ من الكتاب… لا من الملعب.

ومضت الأيام…

كبرنا، درسنا، تخرجنا، عملنا…

أصبحنا معلّمين وموظفين وصحفيين نحمل تقدير المجتمع ونعيش حياة مستقرة هادئة..

حياة بُنيت على الجهد والانضباط، لا على الأضواء والصفقات.

لكن —مع كل مباراة تُنقل، ومع كل عقد يُعلن— يعود السؤال ليدق باب القلب:

ماذا لو؟

ماذا لو واصلنا الركض خلف تلك الكرة التي كانت تكفي لملء الدنيا فرحًا؟

هل كانت حياتنا ستتخذ شكلًا آخر؟

أم أن الأقدار تسوق الإنسان إلى ما كُتب له مهما حاول أن يبتعد أو يقترب؟

لا حسد… ولا ندم…

إنما تأمل وحنين وابتسامة هادئة على مفترق طرق مضى.

ولهذا، حين يعلن المعلّق قيمة عقد لاعب شاب، نلتفت إلى بعضنا —بمرح لا بحسرة—

ونقول :

يا ليتني كنتُ لاعباً !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى