الخطاب الجميل والواقع الصامت … بقلم / عبدالله الغصنه

بقلم / عبدالله الغصنه
أعكف حاليًا على تأليف كتاب لا يقدّم نفسه بوصفه سجلًّا للوقائع بقدر ما هو محاولة للفهم، وفحص هادئ لتجربة طويلة امتدت لسنوات. تجربة كشفت لي أن ما يُقال علنًا ليس دائمًا ما يُمارس، وأن المسافة بين الشعار والتطبيق قد تكون أوسع مما نتصور.
خلال أكثر من ثلاثين عامًا في العمل الإعلامي، تنقلت بين مواقع مختلفة، وشاهدت عن قرب كيف تُدار الكلمة، وكيف تُصاغ الصورة، وكيف يمكن للمعايير أن تتبدل حين تتقاطع المهنية مع المصالح. لم تكن الإشكالية في المهنة ذاتها، بل في البيئات التي تحكمها، وفي القواعد غير المكتوبة التي تُدار بها.
هذا الكتاب ليس سيرة ذاتية، ولا محاولة لتصفية حسابات، بل توثيق لتجربة إنسانية ومهنية، ورصد لأنماط تتكرر في مؤسسات متعددة: جهد يُهمَّش، ونجاح يُنسب لغير أصحابه، وصمت يُكافأ أكثر من السؤال.
لا أسعى من خلال هذه الصفحات إلى إدانة أشخاص، بل إلى قراءة الظواهر، ولا إلى هدم الثقة، بل إلى إعادة تعريفها. فالتجربة، حين لا تُراجع، قد تتحول إلى قناعة مضللة، وحين لا تُكتب، تصبح عبئًا ثقيلًا.
أكتب لأن الفهم مسؤولية، ولأن الصمت ليس دائمًا حيادًا، ولأن توثيق التجربة ـ مهما كانت قاسية ـ أقل كلفة من الاستمرار في الوهم.

