الكتاب

#فهد_الحربي يكتب لكم عن ( اللحظة الصادقة )

إن المتأمل في سيرة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم يجد أنه حُبب إليه الخلاء، والخلاء هو الخلوة وهي شأن الصالحين وعباد الله العارفين.

في الحديث الذي اتفق عليه الشيخان عن أم المؤمين عائشة رضي الله عنها قالت:( أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي:الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى شيئاً إلا جاء مثل فلق الصبح، ثم حُبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه أي يتعبد فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينتزع إلى أهله ويتزود لذلك…)

ألم تسأل نفسك، لماذا حُبب لأشرف الخلق صلى الله عليه وسلم الخلاء؟

ذكر أبو سليمان الخطابي رحمه الله ، وهو محدث وفقيه وعالم من كبار أئمة الشافعية، في تعليقه على الحديث ما يمحو هذا التساؤل، حُببت العزلة إليه صلى الله عليه وسلم لأن معها فراغ القلب وهي معينة على التفكر وبها ينقطع عن مألوفات البشر ويتخشع قلبه.

إن الحمكة في أن يختلي الإنسان بنفسه بين كل فترة وأخرى، أن للنفس الإنسانية آفات لا يقطع شرتها إلا دواء العزلة عن الناس، ومحاسبتها بعيداً عن ضجيج الحياة وصخبها.

إستحقار الناس، والكبر، والرياء، والغيبة، والنميمة، وغيرها، كل ذلك آفات من شأنها أن تتحكم في النفس وتعمل عملها التهديمي في باطن الإنسان رغم ما قد يتحلى به من ظاهره من الأعمال الصالحة.

اللحظة الصادقة هي لحظة الخلوة مع النفس يكون فيها الذهن صافي خالي البال, تراجع في تلك الخلوة علاقتك مع ربك، والوالدين، ومن حولك، تراجع فيها علاقتك مع نفسك وذاتك انظر للجوانب الإجابية وعززها، وأما الجوانب السلبية فتخلص منها.

لا حظت على أحد الأصدقاء كثيراً ما يقضي بعض الوقت لوحدهِ، فسألته عن السبب الذي يجعله يعتزل من حوله، فأجابني بإجابة نابعة من عقل عظيم قال لي: إنني في تلك العزلة اتذكر محاسني، وعيوبي، وتصرفاتي مع نفسي ومن حولي، فأعزز تلك المحاسن وأغرسها في نفسي، وأما عيوبي فأجاهد نفسي بالتخلص منها بالتدريج.

وأخر أراد التخلص من عادته السيئة، فحدد تلك العادات التي يريد الاقلاع عنها، وعقد العزم على الخلاص منها، ودع الله بأن يعينه على الخلاص منها.

كتب اسباب فشله، وغضب والديه عليه، وسبب مشكلته مع زوجته.

استخلص النتائج السلبية والآلام الدنيوية والأخروية المترتبة عليها.

استبدل برامجه السيئة بأخرى حسنة، وقرر تغير أصدقائه ومصاحبة الناجحين، تحلى بالصبر مع النفس ولم يستسلم لليأس، فأصبح ذو شأن يقتدا به.

اخلُ بنفسك يوماً لاتحدث فيه أحداً أوبعض الساعات، ولو في احد غرف المنزل بلا وسائل تواصل، أو مايشتت الذهن، وأنظر لنفسك قبل الخلوة وبعدها، لأن في خلوتك ستمر عليك جميع حياتك الماضية، وحتى حياتك المستقبلية سوف تقوم برسمها والتخطيط لها، في تلك الخلوة سوف تتخذ قرارات حاسمة ومصيرية تغير حياتك للأفضل.

التغيير نحو الأفضل لا يكون إلا بتغيير ما في النفس، قال تعالى :(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) ،لا تنتظر شيئاً يغير حياتك للأفضل، فالحياة تمضي سريعاً بآمالها، وآلامها، لا تبقى ثابتاً فكل الأشياء من حولك تتغير.

 

فهد الحربي

Twitter:@9Fahad3

Email:4Fahad8@gmail.com  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى