حين يذبل العقل قبل العمر .. بقلم: عمر بن صالح العبداللطيف

بقلم | أ. عمر بن صالح العبداللطيف
يظن البعض أن الراحة تعني تكرار يومٍ يشبه سابقه: عملٌ مُمَنهج لا جديد فيه، مجالس متكررة، وأحاديث تُعاد كأنها تسجيل قديم. يطمئنون للوضع القائم وكأنه ضمان للاستقرار، بينما هو في الحقيقة استسلامٌ بطيء للجمود، فالعقل إذا لم يُستَفَز بالتجديد، يصدأ كما تصدأ العضلات إذا تُركت بلا حركة.
العجيب أن الشيخوخة الجسدية تأتي بحكم الطبيعة، بينما الشيخوخة الذهنية يختارها الإنسان بكسله وركونه، فكم من شابٍ في مقتبل العمر تجده حاضر الجسد، لكنه غائب الذهن، يتحدث بسطحية، ويكرر ذاته يومًا بعد يوم، كأنه يسير بخط مستقيم نحو فراغٍ لا نهاية له.
يظنون أن الاستقرار يعني تكرارًا أبديًا، بينما الحقيقة أن الركون لما يُعرف بالـ Status Quo ليس راحة بقدر ما هو استسلام. والنتيجة عقل يصدأ ببطء، مثل عضلة تُترك بلا حركة.
يقول الفيلسوف وليم جيمس: “العقل الذي لا يتجدد، يشيخ أسرع من الجسد.”
التجديد ليس ترفًا ولا رفاهية، بل هو ضرورة وجودية.. أن تتعلم لغة جديدة، أن تدخل في تجربة عملية مختلفة، أن تكسر عادةً مملة، أو أن تواجه تحديًا يوقظ داخلك شغف البحث والاكتشاف، إنها محاولات صغيرة لكنها تُبقي الذهن يقظًا، والروح متوثبة، والفكر متدفقًا.
الكسل العقلي لا يُعاقب صاحبه فورًا، لكنه ينهش قدراته بصمت: يضعف الذاكرة، يشتت التركيز، ويُطفئ بريق الإبداع، وحينها يصبح الإنسان نسخة باهتة من نفسه، لا لأنه فقد الصحة الجسدية، بل لأنه استسلم للجمود.
الخلاصة أن العقل كالبذرة، لا يثمر إلا إذا سقيناه بالتجديد والمعرفة، لذلك لا تدع عقلك يشيخ وأنت ما زلت في ربيع العمر، فلتكن شجاعًا في كسر الروتين، وجريئًا في خوض تجارب جديدة، ولتتذكر دائمًا أن الإنسان لا يغيب عن الحياة حين يشيخ جسده، بل حين يذبل فكره.