الكتاب
سمية الخير | تفاءلوا بالتسامح تجدوه
أقسى ما يمكن أن يعانيه مجتمع ما من أمراض ..هو الطائفية -فهو بوابة الأمراض الأخرى -الفقر والجهل والمرض وتوابع كل منهم والتي من شأنها أن تصيبه بالكساح المزمن وهشاشة بنيته الداخلية مسببة فرطا لمكوناته ،إذ بديهيا لو خلت المجتمعات من الفرقة والتناحر لتفرغت لعلاج كل أمراضها…
هي أسوأ ما يمكن أن يصيب الشعوب من عاهات فكرية تكون سببا في تنامي تفرقة بغيضة وسط المجتمعات تصرفها عن التنمية والتقدم والإزدهار ..وتبعدها عن أهم قيمة يمكنها لحم مكونات أي مجتمع ..وهي التسامح .الذي لولاه لإندثرت شعوب ودول وقبلها حضارات ..وبه بقيت كثير من الثقافات الحديثة في تكونها وفي جراحها الدامية ..وقد غسلها التسامح وطهرها من حقب سوداء طويلة خلت من معاني الإنسانية على أحسن الفروض إن لم تكن مليئة بالقسوة والحقد وإبادة الآخر على إطلاقها ..
وليس أدل على ذلك من دول معاصرة تمزقت في تنازعها اللوني والفكري
وتصارعت مع الآخر المتجبر حقبا طويلة بحثا عن حقها في الحياة بجانبه ..ومن ثم تجانست معه حينما تجاوز الجميع الجراح ..وآمنوا بضرورة التسامح لبناء مجتمعات قوية ومثمرة
إننا نلاحظ أن الدول الكبيرة إسما ومعنى تميزت بسمة التنوع والإختلاف.دينا ، ولغة ،وثقافة،وإثينيات عرقية ورغما عن ذلك أنتجت مجتمعاتا متحضرة ومتحدة تحت راية واحدة..هي راية العمل باسم الوطن وإسم الدولة التي تضمهم فالتنابذ والتناحر ..لن يصب إلا في خانة العدو !!
ولن يجذب سوى مزيدا من الفرجات بين الصفوف ليدخل منها آخر متحزما بالموت ذات صلاة ..!إذ لن تفيد العدو عدة أرواح يقتلها مهما كثرت !.لن تفيده في محو مذهب متجذر الوجود!! ولكنها تفيده في زرع بذرة الشقاق ..وسيرويها بدماء من يشجعون أفكاره حتى تكبر شجرة تكون عنوانا لطائفية مسمومة وهذا ما يسعى إليه في المراحل الأولى دعاة الإرهاب ومنفذيه …ثم عند إنتشار نارها الحارقة و-العياذ بالله- لن تفرق بين مذهب وآخر بل الكل وقودها والجميع في خانة الضحايا عاجلا أم آجلا !!..
بذرة الفرقة ..هي التي يجب أن تموت لا أن تنمو …وموتها بالتسامح والذي سيكون بلسما لمن نهشت أرواحهم نيرانها ولمن أحرق أحبابهم في فراغ أخدودها .سنظل نعيد ونكرر
بدلا من (تفخيخ ) هذا الإختلاف والتنوع والذي هو أصلا موجود منذ زمن ليس بالقريب علينا أن نتعامل مع هذه الحقيقة مثلما تعامل وتعايش معها الأجداد .. بوعي سياسي وإجتماعي عز نظيره ..رغم إختلاف ظروف العصر نحتاج وعيهم هذا ،وهمتهم وحرصهم عليه حيث أن همهم إنصب على فكرة أنهم أبناء وطن واحد .ومصير أوحد ..وبنوا جدارا من التسامح إستوعب إختلافهم وحفظ مكونات مجتمعهم.وصعب على عدوهم إختراقه … وما أحوجنا لهكذا جدارلا سيما في ظل الظروف السياسية المصنوعة عمدا لتأجيج أوار هذه الفتنة المحيطة بكل المنطقة العربية،ليكن همنا كيف نزرع التسامح من خلال ثقافة ممنهجة ومدروسة نتبناها سياسيا وثقافيا وإعلاميا من خلال كافة المؤسسات وننشرها في كافة المنابر والمنصات الإعلامية بخطاب متسامح يعي ويستصحب النماذج المؤلمة للطائفية حولنا.
و خلال المرحلة القادمة …هذا التسامح سيكون هو الدرع الصلبة الذي ستنكسر عليه كل سهام العدو ..وهو ما سيقف حاميا ظهور رجال الأمن ومساندا لجهود الدولة في دحر الإرهاب الذي هو وقود الطائفية …. و ختاما إن التسامح الواعي وتقبل الآخر أيضا سمنحنا الأرض الصلبة المتطورة للتعايش الذي يسمح بسن قوانين أكثر..وقائية وأكثر ردعا لكل ما هو طائفي مظهرا وجوهرا …