على هامش الشيلة … تُباع الكرامة بقلم | محمد حمدان الذبياني

في زمن ضجّت فيه المنصات بالصخب، وسكِر المتابعون برشفة ترند، خرج علينا من يعتقد أن “الشيلة” بوابة المجد، وأن دموع المحتاجين هي التوابل السرية لشهرته.
صار المحتاج يقف متخشبًا كدمية، يُطلَب منه الرقص أو رسم وجه الشهرة على جدار مهترئ، أو أن يهز كتفيه كأنه يشارك في مهرجان ساخر، كل هذا مقابل ألف ريال أو أقل… والأشد مرارة: مقابل أن يسمع شيلة مديح يرنّ في الخلفية.
كبرى المآسي أن من يفعل ذلك لا يخجل، بل يعلنها صراحة: «ملف زواجي بلغ مليونين ونصف المليون قبل أن ينطلق». يا للعجب! متى أصبحت الكرامة تُسلّع لتصبح سلّماً لعرس فاخر، وبطاقة دخول إلى قصور الزجاج؟
الكرامة يا صديقي، لا تُصوَّر. العطاء لا يحتاج ألحانًا ولا قصائد مدفوعة، والجبر الحقيقي للخواطر لا يُذاع في بث مباشر ولا يُقصّ في ستوري من خمس عشرة ثانية. الإنسان الحقيقي، حين يقدّم، ينحني ليرفع المحتاج، لا ليدوس على رأسه ليصعد على أكتافه. حين يساعد، يحجب وجهه عن الكاميرا، ويفتح قلبه في الخفاء. حين يعطي، يحتفظ باللحظة له ولربه فقط.
أليس من المضحك المبكي، أن من يصفّق اليوم قد يكون نفسه من ينهش غدًا؟ ألم ندرك بعد، أن الأضواء سريعة الخداع، مثل سراب يلمع في صحراء خالية؟
لكن، من المسؤول؟ المسؤول ليس وزارة بعينها، ولا هيئة بمفردها، ولا حتى جهة رقابية تختبئ خلف الأوراق والتصاريح ، المسؤول الحقيقي هو أنا وأنت ، كل مشاهد، كل مُصفّق، كل من شارك المقطع وكتب تعليق “يعطيك العافية” وهو يضحك على دموع المحتاجين فكل مرة نضغط فيها زر الإعجاب على مقطع يهين كرامة إنسان، نحن شركاء وكل مرة نعيد فيها نشر مقطع “شيلة” على رقصة عجوز، أو تسوُّل طفل، أو جدار رُسم عليه وجه المشهور، نحن نغذي الوحش في داخلهم ونمنحه مساحة أكبر.
التصدي يبدأ من وعينا. حين نرفض المتابعة، نكسر دائرة التصفيق الفارغ، نربّي أبناءنا على أن الكرامة أغلى من المال والشهرة، ونُشيد بمن يعمل الخير في الخفاء لا من يعلّقه على مسارح التريند. حين ندعم من يرفع إنسانية الناس، لا من يحوّلهم إلى أدوات ترفيه رخيص.
إلى من جمع المديح في شيلة، وزيّنها برقصة محتاج، وملأ خلفيتها بضحكة عجوز خجولة اعلم أن المجد لا يُقاس بعدد الإعجابات، بل بعدد القلوب التي دعت لك في الخفاء، وأن كل قصيدة مدح زائفة، وكل إعجاب مؤقت، ستنطفئ… ويبقى وجهك أمام مرآة الحقيقة، بلا فلتر ولا ألحان.
وفي النهاية، تذكّر قاعدة الحياة القديمة: “لا ترفع اسمك فوق جرح الضعيف، ترى المدح يفضح، والخفايا تشهد.” فالكرامة تاج لا يلمع في الشيلات، بل يسطع في ضمير كل إنسان حر.
بقلم | محمد حمدان الذبياني