“مؤشرات التعرف على حالات الاتجار بالأشخاص” .. بقلم: د. عبداللطيف الخرجي

بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص، نظّمت جمعية ابتسام بالشراكة مع مركز سيفال السعودية فعالية توعوية متخصصة تحت شعار: “مكافحة الاتجار بالأشخاص: وعيٌ ومسؤوليةٌ مشتركة” وذلك ضمن إطار الجهود الوطنية والدولية الرامية إلى تعزيز الحماية من هذه الجريمة المنظمة والخفية.
وقد كان من أبرز محاور هذا اللقاء محاضرة متخصصة ألقاها الدكتور المحامي عبداللطيف الخرجي، أستاذ القانون في جامعة الأصالة وعضو الجمعية العمومية في جمعية ابتسام، بعنوان “مؤشرات التعرف على حالات الاتجار بالأشخاص”·
استعرض الدكتور الخرجي في محاضرته الأبعاد القانونية والإنسانية لهذه الجريمة، مشيرًا إلى أن الاتجار بالأشخاص لا يزال يشكّل تهديدًا حقيقيًا للكرامة الإنسانية في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك المجتمعات التي تبدو آمنة ومستقرة· وأكد أن المملكة العربية السعودية قد اتخذت خطوات تشريعية متقدمة لمكافحة هذه الجريمة، مستشهدًا بنظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص الصادر عام 1430هـ، والذي عرّف الجريمة وبيّن أركانها بشكل واضح، وهي: الفعل (كالاستخدام أو النقل أو الإيواء)، الوسيلة (كالخداع أو الإكراه أو استغلال النفوذ)، والغرض (وهو الاستغلال بصوره المتعددة)·
وركزت المحاضرة على *المؤشرات العملية للتعرف على الضحايا*، والتي تعد خطوة محورية في الكشف المبكر عن الجريمة، لا سيما في ظل صعوبة الإبلاغ من قبل الضحايا بسبب الخوف، أو الجهل بحقوقهم، أو ارتباطهم العاطفي بالجناة كما في حالات “متلازمة ستوكهولم”· وتنوّعت المؤشرات التي استعرضها الدكتور الخرجي بين مؤشرات عامة، ومؤشرات خاصة بفئات معينة كالأطفال، والعاملات المنزليات، وضحايا التسول، والعمل القسري، والاستغلال الجنسي· وأوضح أن علامات مثل فقدان الهوية، الخوف المستمر، وجود آثار عنف، السيطرة من قبل طرف ثالث، عدم القدرة على المغادرة بحرية، أو الإقامة في أماكن غير إنسانية، جميعها تمثل إشارات حمراء تستوجب التحقيق·
وقدم المحاضر عددًا من الأمثلة الواقعية لحالات اشتباه، بعضها قد يبدو سلوكًا اجتماعيًا عاديًا لكنه يخفي خلفه ممارسات اتجار بالبشر، مشددًا على أهمية الوعي القانوني والتأهيلي لجميع شرائح المجتمع· وأشار إلى أن مسؤولية التعرف على الضحايا والإبلاغ عن حالات الاتجار لا تقع فقط على الجهات الرسمية كرجال الضبط والنيابة العامة، بل تمتد لتشمل المواطنين، الكوادر الطبية، موظفي الطيران، منظمات المجتمع المدني، وحتى أولئك العاملين في السفارات·
وقدّم الدكتور الخرجي نموذجًا واقعيًا من الولايات المتحدة، حيث ساهمت مضيفة طيران يقظة في إحباط محاولة اتجار بفتاة قاصر، مما يدل على أن *الوعي الفردي* يمكن أن يكون عنصرًا حاسمًا في إنقاذ الأرواح·
واختتم الدكتور الخرجي محاضرته بالدعوة إلى تعزيز التعاون المؤسسي والمجتمعي، وتكثيف برامج التوعية والتدريب في القطاعات المختلفة، بما يضمن تطوير استجابة شاملة وفعالة تواكب حجم التحديات المرتبطة بهذه الجريمة المعقدة· كما أشاد بالدور الذي تلعبه جمعية ابتسام ومركز سيفال في تمكين المختصين والمجتمع من أدوات الفهم والتفاعل القانوني والأخلاقي مع قضايا الاتجار بالبشر·
تعكس هذه الفعالية التزام المملكة بحقوق الإنسان ومحاربة كافة أشكال الاستغلال، وتأتي ضمن سلسلة من المبادرات المستدامة التي تؤكد أن مكافحة الاتجار بالأشخاص ليست مسؤولية منفردة، بل وعي جماعي ومسؤولية مشتركة.