الجبيل اليوم

” الجبيل اليوم ” تفتح ملف ” عضل النساء ” : مقهورات يعانين التسلط والظلم وغياب الحقوق

مقدمة :

عندما بدأنا بدراسة موضوع تظلم المرأة من العضل الذي يقع عليها من وليها لم نتوقع مستوى القسوة ولا درجة الظلم ولا جهة حدوثه من أطراف كان من المفترض أن تكون على الجانب الآخر آي مدافعين عنها ، ولكن كانوا هم من أوقع الظلم ، الوالد أو الأخ أو الزوج وفي بعض الحالات كانت الأم هي من أوقع أشد الظلم على إبنتها ، وكأني بهم من قصدهم ذلك الشاعر الذي قال : وظلم ذوي القربى أشد مضاضة من وقع الحسام المهند .
وهذا ما زاد من قساوة الظروف الاجتماعية التي أحاطت بهن وجعلتهن يبحثن عن مخرج قانوني لأن كل الأبواب موصدة بأفكار نابعة من التقاليد والتي في الكثير من الأحيان كانت السبب في العضل حيث أن بعض الأسر ترفض زواج إبنتها إلا من نفس القبيلة التي تنتمي إليها والذي قد ياتي وفي أحيان كثيرة قد لا يأتي ويتقدم لها اخرون يحملون المواصفات التي ذكرها الرسول الكريم ((إذا آتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ألا تفعلوا تكون فتنة وفساد كبير )) ولكن لا يتم تزويجهن فيحدث الضرر لدى بعض الفتيات اللائي مر بهن العمر دون تكوين أسرة ودون تحقيق حلم الأمومة لديهن لا سبب سوى أن وليها عضلها ومنعها من الزواج خضوعا للعادات والتقاليد بما يتعارض مع الشرع الصريح .

القرآن الكريم والعضل :

ذكرت الآية 232 من صورة البقرة (( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۗ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ))

حسب تفسير ابن كثير : ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل له أخت كان قد زوجها من ابن عم لها فطلقها وتركها فلم يراجعها حتى انقضت عدتها ، ثم خطبها منه بآبى أن يزوجها إياه ، ومنعها منه وهي فيه راغبة فنزلت هذه الآية، وقد ذكر لا تعضلوهن : أي لا تضيقوا عليهن ، وأصل العضل : عضل ، يعضل ، عضلا ، الضيق وقد استفاض في توضيح ذلك . ومن أراد الاستزادة فليرجع لتفسير ابن كثير .

استعراض بعض الحالات :

أ.م: تسلط أمي : لا يمكن للخيال مهما بلغ مداه أن يتصور أنه هناك أم لا تتمنى السعادة لأبنائها ما لم يكن هناك خلل ما ، وهو هنا تسلط الأم الذي أدى إلى تفكك الأسرة وجعلها تعيش في حالة صدام منذ الصغر إلى أن بلغت مشارف الثلاثين ، فهي لا تترك مساحة للرأي مع أولادها من أصغر الأشياء إلى أكبرها ،و لم تترك لهم مجالا لحرية الدراسة والعمل والصداقات ، بل حاربتهم بطرق شتى حتى وصلت إلى حرمانهم من الزواج ممن يرغبون فيه إلا من يطابق مواصفاتها وهي تريدهم أن يكونوا خاضعين لها وفقا لنزعة حب التملك والدرجة العالية من التسلط التي تعاني منها ونتيجة لذلك كانت ترفض من يتقدمون لإبنتها واحدا تلو الآخر والنتيجة كانت بقاء ابنتها دون زواج مما جعلها تفكر كثيرا في الزواج دون موافقة أسرتها وهي ليست وحدها في ذلك الرأي ، بل هي وأخواتها .

وحالة أخرى :

أ.ب : هذه أيضا عانت من التفكك الأسري نتجية تسلط الأم فكانت تعاني منذ الصغر فنشأ إخوانها على تهميش رأيها وعدم الاهتمام بحقوقها ورغباتها ، وازدادت المعاملة سوءا بعد وفاة والدها الذي كان يدللها قليلا ويخفف عنها، ولكن الأم بعد وفاته لم تترك لها مجالا في اختيار أي شي ، وزوجتها بمن هو غير كفء لها وكانت النتيجة طلاقها وعدم السماح لها بالزواج مرة أخرى حتى وصلت إلى سن الأربعين دون الحصول على فرصة البحث عن عمل أو إكمال دراسة بل لم يمنحوها فرصة تغيير أوراقها الثبوتية لتنال حقوقها في العلاج وحقوقها في الضمان الاجتماعي الذي يمكن أن يساعدها بل تطرفت أمها وإخوانها أكثرمن ذلك في الظلم عندما ذهب بها إخوانها إلى المحكمة وبصموها أمام القاضي عن أوراق لا تعرف عنها شيئا وعرفت لاحقا أنها أوراق تنازل عن الميراث ، أ.ب هنا لا تعرف إلى أين تتجه ولمن تلجأ لاسترداد حقوقها القانونية و الإنسانية في الزواج الذي هو الباب الوحيد لإخراجها من هذه المتاهة والحياة الكريمة بعيدا عن أسرتها .

أما الحالة الثالثة فقد كانت أكثر ألما:

د.ه : لم يكتفي أهلها بالتسبب لها بالإعاقة بتاخرهم في علاج قدمها المكسورة بل منعوها من العمل والاستزادة من التعليم وتطرفوا بأن حرموها من الزواج بغير رجل من قبيلتها وكان كلما تقدم لها رجل ليخرجها مما هي فيه ويحقق لها آمالها بتكوين أسرة وإنجاب طفل حتى يواجه بالرفض والطرد دون سبب فقط لأنه من قبيلة أخرى رغم توفر الخلق والدين ، وبالرغم من محاولتها المستميتة للخروج من هذه الدائرة إلا أنها وصلت الأربعين ولم تتزوج بعد ، وحكت لنا ذلك في تفاصيل – أقل ما يقال عنها أنها مؤلمة-عن أحلامها في تكوين أسرة وإنجاب طفل يسمعها كلمة أمي .

الرأي القانوني :

: التقت صحيفة ” الجبيل اليوم ” بالمستشار القانوني الدكتور سعد الوهيبي رئيس مجموعة الوهيبي القانونية ورئيس المركز الاستشاري للتدريب القانوني وعضو جمعية القانونين الدولية بلندن وباريس ، وعضو محكم بمحكمة لاهاي الدولية ، وعضو جمعية حماية بالحرس الوطني وسألناه عن كل ما يتعلق بالعضل :

وذكر بأنه محرم شرعا وقانونا وأن هناك حقيقة يجب أن تعلمها المرأة ، أن ولاية الرجل عليها تعني رعايته لها في كافة شؤونها وليس له الحق في التسلط عليها بحرمانها أي من حقوقها التي منحها الله لها تحت أي ظرف من الظروف ومهما كانت الأعذار ، وطالما توفرت الرغبة للفتاة فالزواج بمن ترضاه خلقا ودينا وخلا من الموانع الشرعية وفي حالة ثبوت عضلها من قبل وليها لها الحق في التقدم للقاضي وبيان حالتها وعند ثبوت عضلها لدى القاضي له أن يسحب الولاية من وليها ويقوم بتزويجها إحقاقا لحقها في الزواج ومنعا لعضلها وهذا وفقا لكل القوانين المستقاة من الشريعة الاسلامة ، وآخرها قانون الأحوال الشخصية والذي هو الآن أمام مجلس الشورى لدراسته وإصداره .

رأي الطب النفسي :

وقد سألت صحيفة الجبيل اليوم الدكتور علي السلامة استشاري الطب النفسي .
عن التأثيرات النفسية للظلم للعضل والحرمان من الزواج وقد ذكر أن الإنسان جبل على حب التملك ونيل الحقوق والعيش بالكرامة مع المحافظة على علاقات طيبة مع الآخرين والمحيط بشكل عام ، أن انتهاك هذه الحقوق قسرا يشعر الانسان بعدم الإتساق النفسي والاجتماعي ويأثر سلبا على مختلف نواحي حياته ، وتوجد عناصر تحدد التأثيرات النفسية للظلم وشدتها منها :
1- السن : فكلما صغر السن كان التأثير أكبر .
2- طبيعة الظلم : فإذا كان يهدد الحياة أو الكرامة أو حيثية الإنسان كلما كانت التأثيرات أشد .
3- استمراريته : حيث أن طول مدة الضغوط النفسية تزيد من المضاعفات النفسية والجسدية .
4- توفر الدعم من عدمه : سواء كان الدعم أسريا أو إجتماعيا أو حقوقيا ، لأن توفر الدعم يخفف كثيرا من حدة الشعور بالظلم والقهر ويوفر فرصة للتغلب عليه .
5- المستوى التعليمي : كلما قل المستوى التعليمي كلما كان تأثير الظلم أشد وأعمق ، فالتعليم يجعل الفرد أكثر قدرة على التدبير في مختلف الظروف ويجعله أكثر قدرة على التواصل لطلب الساعدة والتخلص من الظلم .
6- قرب أو بعد العلاقة مع المضطهد : فكلما كان الشخص المضهطد من القربى : الأب ، الأخ ، العم ، كان التأثير أكبر ، حيث أن هؤولاء يفترض أن يكونوا مصدر للآمان والدعم وليس الظلم والقهر .

الآثار النفسية للظلم في حالة العضل والحرمان من الزواج :
1- ضعف تكوين الشخصية .
2- الإكتئاب .
3- الميول الانتحارية .
4- إيذاء النفس المتعمد ( ما دون الانتحار )
5- متلازمة ستكهولم : وهي باختصار أن يعشق المظلوم الظالم ويتبنى مواقفه ويبرر أفعاله ويصل إلى هذه الدرجة من يتعرض لظلم شديد لفترة طويلة من الزمن ويكون الشخص رهينة لمن يضهده .
6- العزلة والانطواء الذي يصل إلى حد الرهاب الاجتماعي والخوف من مقابلة الناس .
7- الإضرابات النفسجسدية : أي ذلك الطيف الواسع من الأعراض الجسدية ذات المنشأ النفسي البحت .
وقد ذكر دكتور السلامة أن العضل هو : نوع من القهر والظلم والتعسف والحرمان من أهم حقوق الفتاة وهو الاقتران بشريك للحياة ظلت تهفوا نفسها إليه منذ فترة مبكرة في حياتها ، وظلت تحلم بكل تفاصيله وبسهولة شديدة يقوم متجبر بتحطيم كل ذلك بقرار فردي بدون مراعاة لمشاعرها ، تحت مبرر نحن أعرف بمصلحتك ، وما يضاعف من صعوبة العضل أن الفتاة تقارن نفسها بالأخريات وستجدهن سعيدات ومتزوجات ، فيزداد لديها شعور القهر والكآبة ، كما أنه حرمان مركب : حيث تحرمها من حق الأمومة ، وتكوين مملكتها الخاصة ، وإحساسها بأنها جزء طبيعي من المجتمع ، كما وأن العضل يتسبب بخسائر ممتدة في حياة الفتاة مثل أن تتزوج لاحقا بطريقة لم تكن تستحقها : كأن تجبر على شخص لا تريده .
وفي حالات قليلة تتولد لدى الفتاة رغبة بالانتقام من الأسرة عن طريق تلطيخ سمعتهم قولا أو فعلا وقد يصل لحد السلوك غير السوي وغير المسؤول ، وآخر ما تفكر به هي نتائج هذا السلوك . هذا راي الطب النفسي

الرأي الاجتماعي :

فقد التقت صحيفة الجبيل اليوم الأستاذة مها السروجي الباحثة في الشؤون الاجتماعية والمشاكل الأسرية والتي ذكرت تنوع المشاكل الأسرية ومنها العضل والذي رغم محدوديته يبقى أثره الاجتماعي سيئا على المرأة والمجتمع .

السمات المشتركة :

من خلال بحثنا عن حالات العضل وجدنا سمات مشتركة ساهمت في زيادة الضرر القانوني والاجتماعي الذي عانت منه معظم الحالات أولها التفكك الأسري وآلامه كان هو البحر الذي أبحرت فيه سفينة هؤلاء الفتيات مما جعل التضامن مفقودا بحيث لم تتواصل سبل الحصول على حلول فكان الضرر دائما .
وسمة أخرى هي قلة التعليم والجهل ، وثالثة هي تسيد التفكير القبلي في تحديد مصائر هؤلاء الفتيات

وكل هذا القصور الفكري ناتج عن عقلية ذكورية غلبت عليها العادات والتقاليد البالية وناقضت الدين ومصلحة المجتمع خاصة في هذا العصر الذي سمته الانفتاح وحرية الرأي والتي منحت المجتمع بمؤسساته كافة مسؤولية أن يساهم في تغير هذه الأفكار عن طريق الطرق عليها اعلاميا وتوضيح كل اثارها السالبة .

سمة مشتركة أخيرة :

هي عدم وجود جمعية أو هيئة قانونية أو اجتماعية تهتم بمثل هذه الفئات والتي وإن كانت محدودة إلا أنها موجودة ولا يمكن أن نتجاهلها بكل احتياجاتها الإنسانية أملا في الوصول إلى مجتمع سليم خالي من المشاكل .

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى