أقلام واعدةالمقالات

 مودة ورحمة | بقلم : سارة آل شعبان

كعادتها استقبلتني بترحاب وبشاشة ودفء مشاعر، وبعد أن أخذنا مجلسنا ودعوت لزوجها بالسلامة من العارض الصحي الذي أَلَمّ به.

أرخت جلستها في مقعدها وأراحت ظهرها وأسندت رأسها، وتكلمت بصوت هادئ ممزوج بنبرة حب يخرج من حنايا قلبها:

ما كنت أظن أنني أحمل له في قلبي كل هذه المشاعر.

حين هوى أمامي ضعيفاً هوى قلبي بين أضلُعي، رؤيته مريضاً منحنياً من الألم آلمني وكأنّ ألامه في جسدي.

نظرت إليّ مبتسمة:

 سنوات ونحن ننام ونستيقظ إلى جوار بعضنا ولم انتبه لخطوط الزمن على وجهه، ولم ألحظ تأثير هموم الحياة على جسده، ولا ابيضاض شعره من ضغوط الحياة.

يوم أصابه المرض تفتحت عيني على الرجل الشيخ الذي أمامي وعادت بي الذكرى لصورته حين تزوجته شاباً وسيماً.

همت لتقوم لتقديم ضيافتها، أمسكت يدها وأعدتها لمجلسها:

دعيني أسمع أخبارك، كيف صحته الآن؟

برضا وسعادة أجابت حامدةً الله على نعمه:

أصبح أفضل مع أدوية يومية ومواعيد متتابعة وملاحظة مستمرة لنوعية طعامه ونشاطه البدني.

لقد أصبح طفلي الصغير ووَلدي الذي أرعاه، لا تتخيلين مقدار خوفي عليه ولا اهتمامي به.

وشفقتي عليه، أذكره بمواعيده وأتابع خطواته بل وأتفقده ليلاً حين ينام فاستمع لأنفاسه.

قالت بضحكة مجلجلة:

رفعت صوتي عليه لأول مرة منذ زواجنا حين امتنع عن الذهاب لموعد الطبيب، والغريب أنه نظر لي مستغرباً ثم وافق على الذهاب مستسلماً، ووالله ما كان ذلك إلا خوفاً عليه كالأم تقسو على ولدها لمصلحته وأظن أنه يعرف ذلك.

أكملت بغمزة من عينها: لو كان هذا في أول زواجنا لكانت حكاية لا تنتهي ومشاجرة لا تتوقف.

استمر مجلسنا لطيفاً خفيفاً ودعتها في ختامه على وعد أن نلتقي قريباً.

العلاقة الزوجية وصفها سبحانه بالمودة والرحمة، يسكن فيها الزوجان إلى بعضهما، وتظهر هذه المشاعر جلية مع طول العهد وامتداد العشرة.

 بعد ذهاب سنوات الشباب وفورة الحب يصطبغ الزواج بصبغة المودة والتراحم وتعود الحياة رتيبة على وتيرة واحدة، يكون الأبناء فيها هم محور الاهتمام، نتائج دراستهم، سعادة واستقرار زواجهم، راحة وهناءة حياتهم، حتى إذا حدث طارئ ما لأحد الزوجين تحركت مشاعر الحب وظهر الحنان ورقت المشاعر.

إنها سنوات من العشرة كان الزوجان خلالها لباساً لبعضهما، يكمل أحدهما الآخر ويسد ما فيه من نقص، يسند كل منهما صاحبه، يفهمه يقدره ويراعيه، لا تخلو من منغصات وشد وجذب أحيانا فرض للسُلطة وأحيانا لترسيم الحدود، ولكنها تنتهي بتفاهمات دبلوماسية واتفاقات طويلة المدى تستمر ما استمرت الحياة.

لا تُبنى كل البيوت على الحب، بل أكثر أن أنواع الزواج في المجتمع، الزواج التقليدي الذي يبدأ باتفاق وقبول ورغبة بتكوين أسرة سعيدة، ثم يأتي الحب شيئاً فشيئاً كنهر يبدأ من منبعه هادئاً ثم يندفع في مجراه هادراً ثم يمضي في طريقه متناغماً رائقاً متكيفاً مع منحنيات الحياة.

وقد لا يأتي الحب ولكن تسكن الرحمة في القلوب وتتدثر المشاعر بالمودة.

وهذا كان حال صاحبتي مع زوجها مودة ورحمة تنتقل تلقائياً لتعامل الأبناء وتتبادل بدون اشتراط بين الزوجين.

قالت خلال حديثها عن زوجها:

 تخيلي أنه في لحظة صفاء بيننا قال لي: لقد أصبحنا أنا وأنتِ صديقين مقربين.

وما أجملها من صداقة بين الزوجين تفاهما واتفقا على كل شيء حتى محبوبات أحدهما هي محبوبات للآخر، وتفضيلات هذا هي ما يفضله ذاك.

دامت بيوتنا تغمرها المودة والرحمة، ويجمع ساكنيها الحب والألفة.

_________________

سارة آل شعبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى